الاثنين، 25 فبراير 2013

البخلاء والجاحظ






الكتاب:

وفيه يصور الجاحظ البخلاء الذين قابلهم وتعرفهم في بيئته الخاصة ـ خاصة في بلدة مرو عاصمة خراسان ـ، تصويراً واقعياً حسياً نفسياً فكاهياً، فأبرز لنا حركاتهم ونظراتهم القلقة أو المطمئنة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم وأطلعنا على مختلف أحاديثهم، وأرانا نفسياتهم وأحوالهم جميعاً، ولكنه لا يترك لهم أثراً سيئاً في نفوسنا،بحيث لا نكرههم. فنجد البخلاء في هذا الكتاب يمتازون بالطيبة والسذاجة وخفة الدم أحيانا وهم بريئون من الأذى ومن سوء المعاملة وليس فيهم ما تنفر النفس منه أو تشمئز ولا يظلمون إلا أنفسهم ونجد أن موائد بعضهم ممدودة يتظاهر بعضهم بالكرم لا يقوم الجاحظ في كتابه بتجريحهم أو إيذاء مشاعرهم بل يبسط تصرفهم ويعرض طريقة اقتصادهم واستخدامهم للمال ومحاربتهم الإسراف والذي لا شك فيه أن بعض الشخصيات من نسج خياله وغير موجودين أصلا مثل أبي الحارث جميز والهيثم بن مطهر.فدار في إطار مواقف هزلية تربوية قصيرة مستخدمًا أسلوبًا الحوار مع استخدام ألفاظ عامية .
 والكتاب عبارة عن دراسة اجتماعية تربوية نفسية اقتصادية لهذا الصنف من الناس وهم البخلاء.كما له أهمية علمية حيث يكشف لنا عن نفوس البشر وطبائعهم وسلوكهم إضافة أو فضلا عن احتوائه على العديد من أسماء الأعلام والمشاهير والمغمورين وكذلك أسماء البلدان والأماكن وصفات أهلها والعديد من أبيات الشعر النادرة والمفيدة بموضوعها والأحاديث والآثار فالكتاب موسوعة علمية أدبية اجتماعية جغرافية تاريخية.

الكاتب:

هو عمرو بن بحر بن محبوب.. الملقب بـ [ الجاحظ ].ولد في مدينة البصرة بالعراق  سنة 150هـ/775م.كان أسود اللون ، بارز الجبهة ، جاحظ العينين ، أفطس الأنف ، عريضه.اشتهر الجاحظ بخفة ظله في الكتابة وصدقه في النوادر والفكاهات وكثرة النقد والشك واشتهرت كتاباته بأسلوبها السهل وألفاظها اليسيرة وبساطة صورها وتشبيهاتها ووضوح أفكارها وقرب معانيها وسرعة فهمها كما اشتهر الجاحظ بعقله العبقري الراجح.
كتبه:

بلغ عددها أكثر من 350 كتاب ورسالة في: الفلسفة والاعتزال والدين والسياسة والاقتصاد والتاريخ والجغرافيا والطبيعيات والعصبية وتأثير البيئة والاجتماع والأخلاق والحيوان والنبات والأدب وكان أشهرها:البيان والتبيين ، والحيوان ، والمحاسن والأضداد ، والبخلاء.

قصة من حياته:

أتم [عمرو] حفظ القرآن ، واعتاد أن يذهب مع أمه في كل صباح ، ليبيع معها السمك والسكر والحلوى.ثم يسرع مع العصر إلى مسجد البصرة ، ويجلس في حلقة من حلقات العلم ، يستمع إلى شيخ من شيوخ اللغة ، ويكتب ما يسمعه ، ثم يعود إلى البيت راضيا فتضمه أمه إليها ، وتغني له حتى ينام.لكن [عمرواً] لم يعد يذهب معها إلى السوق مثلما كان ، ففي المسجد التقى [عمرو] ذات يوم بثري من البصرة اسمه [أبو عمران].وقد رآه يسأل العلماء ويجيبُ العلماء فأعجب بذكائه في السؤال ، وسرعته في الجواب ، وجذبته إليه خفة روحه ، وقوة حجته ، فقال له حين انفرد به:" ليت مثلك كان ولدي يا بني. اطلب العلم ما عشت ، فقد تصير يوما عالما قديرا ، أو كاتبا نابغا".وفرح[عمرو] بما قاله له [أبو عمران] ، وصحبه إلى بيته و أطعمه وأعطاه كتبا من كتبه ومنذ ذلك اليوم ، شُغل [عمرو] بالكتب عن الذهاب مع أمه إلى السوق. صار يسحب كتابا منها ، ويذهب ليقرأه ، ثم يعود مع العصر إلى المسجد ليجلس بين طلاب العلم.ولذلك حزنت أمه فقد أخذت الكتب منها ولدها بعيداً عن السوق. وقررت أمه أن تعطيه درسا لا ينساه.عاد [عمرو] من المسجد ذات ليلة وقد اشتد جوعه وطلب من أمه طعاما فلم يأكل في نهاره شيئا ، فنهضت الأم  وعادت إليه بطبق كبير وعليه كتب وكراريس ، ودهش [عمرو] وقال لأمه:"ــ ما هذا ؛ أريد طعاما لا كتبا."فقالت له أمه بهدوء ، وهي تجلس:"ــ كل كتبا. فهذه الكتب هي التي نكسبها منك."فوقف [عمرو] وغادر البيت حزينا وذهب إلى المسجد ، فوجد الشيوخ والطلاب قد غادرُوه ، فجلس في المسجد حزينا ، شاحب الوجه من الجوع. وانتبه على صوت بجانبه ، يقول له:"ــ خيراً يا عمرو".والتفت فرأى صديقه [أبو عمران] وأخبره بما فعلته أمه معه. فصحبه معه إلى بيته وقدم له طعاما فأكله وشبع وقدم له كيسا مليئا بالدنانير قائلاً له:"أشبع أمك بهذا المال. خمسون دينارا يا عمرو ، ولك مثلها مني أول كل شهر".وشهق [عمرو] وكانت الشمس قد أشرقت فسارع فرحاً إلى السوق واشترى دقيقا ، وزيتا ، وتمرا ، ولحما وعاد نحو البيت يتبعه الحمالون. كانت الأم جالسة تنتظر عودته في قلق ، وكانت تلوم نفسها طوال الليل لقسوتها على ولدها. ودفع [عمرو] باب البيت ورأت الأم الحمالين يدخلون وينزلون من على ظهورهم ما يحملونه. فصاحت في دهشة:"ـ من أين لك هذا يا عمرو؟" وشعر [عمرو] أنه قد صار فجأةً رجلاً ، فقال لها ضاحكاً:" من الكتب التي قدمتها لي.. في طبق!!".

وفاته:

أصيب بمرض الفالج [الشلل النصفي] في آخر عمره ولازم غرفة نومه في مزرعته [الجاحظية] في البصرة وقد جاءت الطريقة التي ودع بها الدنيا مفاجئة لأهل البصرة.  فقد كان [الجاحظ] وحيداً في غرفته حين زحف إلى قاعة من قاعات كتبه في قصره الفسيح. وتحامل [الجاحظ] على نفسه جالساً وشب متكئاً على الجدار ليصل إلى رفٍّ من رفوف كتبه فانهارت بجذبِه فوقه الرفوف والكتب فلفظ أنفاسه بينها.وكانت تلك الحادثة سنة 205هـ/869م.
وقد ظل اسم [الجاحظ] وأدبه علما حياً وظلت مؤلفاته الباقية تطبع إلى يومنا هذا ولا يزال العلماء الميسِّرون للعلم يحتذون أسلوبه العلمي المتأدِّب الذي تتساوى فيه ألفاظه ومعانيه.