الاثنين، 9 سبتمبر 2019

من مخزون الذاكرة ( ٣٠ ) ذكرى للدكتور/علي جلال؛ أحد طلاب العالم الجليل الأستاذ الدكتور/ السيد إبراهيم



( رجل بجامعة )


" وأحكي لك يا صاحبي اليوم عن ذلك الرجل الإنسان الذي حرر عقلي وأضاء طريقي وأخرجني من ظلمات التيه والتخبط إلى نور الهداية والرشاد . إنه العالم الجليل صاحب العقل الأنور والضمير الحر والنفس المحملة بهموم ثقال ؛ هموم وطن ودين وعلم وطلاب ... هموم إنشاء وعي وفكر ينهضان بثقافة عربية أوشك أصحابها الحقيقيون أن يندثروا بمرور الزمن.. إنه الأستاذ الدكتور السيد إبراهيم محمد الأستاذ في كلية الآداب جامعة بني سويف والعميد الأسبق للكلية..

لا أذكر لك يا صاحبي كيف كانت البداية -و إنها لجديرة أن تحكى وتُقص- إنما أحدثك فقط عنه هو . حين وافق الأستاذ على أن أسجل معه للماجستير كان وقتها عائدا لتوه من الخارج ... كان قد أمضى من عمره خمسين عاما بين القراءة والتفكر والتأمل متنقلا بين علوم شتى كالأدب والفلسفة وعلم النفس .. كان يحلم وقتها بمشروع بحثي كبير وطلاب نجباء ينهضون بمشروعه ويشاركونه رسم خطوطه وإرساء قواعده..
ولقد أفصح الأستاذ منذ البداية عن مكنون نفسه ومرادها ، لكنه صادف معوقات لا تحصى كثرة أهمها نحن الباحثين المتعجلين للفوز بالدرجة دون الرغبة في أن ننهل من بحر العلم الذي لا شاطئ له ....
لقد قاوم الأستاذ تلك الرغبات المتعجلة وحجمها قد استطاعته ... رفض أبحاثا وعدل أخرى ... كنت ألحظ الحزن في عينيه ونبرات صوته .. ذلك الحزن الذي يفيض من قلب أستاذ يرى طلابه يرسفون في قيود من الفكر القديم ويدورون في دائرة حدودها ما قد اطلعوا عليه من رسائل تشبه موضوعاتهم دون النظر إلى النصوص بعين ناقد بصير..
لقد حاول الأستاذ جاهدا ألا يقع طلابه أسرى لما يقرأون ... حاول تحرير عقولهم وأنفسهم من سيطرة النصوص ... حاول أن يبذر في وجدانهم بذور نقاد لا تلهيهم رنات العبارات وزخرفتها عن أصول قراءة سليمة كاشفة..
ربما يا أستاذي قد تأخر الحصاد ، لكن بذورك الطيبة التى رويتها من روحك وعقلك وضغطك وأعصابك قد أبى الله إلا أن تستوي على سوقها فيظهر طيبها ويُطرح غثها .. وها نحن - أبناءك - ندين لك بكل ما نحن فيه من خير .. إن فكرنا فهو من فيض فكرك وإن نطقنا فهو من عذب كلماتك لا تقليدا ولا محاكاة كما كنت توصينا بعدم التقليد ؛ وإنما سيرا على دربك واستمرارا في طريقك الذي عبَّدتَّه بعرقك ودمك..." د/علي جلال.