الاثنين، 27 أغسطس 2018

سيرة فكرية: teleology

      كنا قد اجتمعنا معًا في حوش واسع نجرب اكتشافاتنا الجديدة، ونزهو بمعارفنا الفلسفية وكيف انتقلنا في شجاعة وعزم من سجن اليقين والمطلق إلى رحابة الشك والنسبي والتفاصيل. وانتظر هو بين الأشجار لاختيار اللحظة المناسبة للانقضاض.ارتوينا من نشوة اللعبة حتى ثملنا. وحين جرينا أمامه وتفرقنا في كل اتجاه لم نجد المأوى الذي كنا نفزع إليه ساعة الخطر- حيوان خرافي شديد الذكاء والخطورة، تولد من تجارب فكرية مضنية وبعدها خرج عن السيطرة.انطبعت في عدسة عينه كل أعمالنا وحوت

سجلاً كاملاً عنا. سقطت من عينه الدنانير والدراهم وطوائف البشر من الصناع والطلبة والمثقفين وأساتذة الجامعات والزعماء بلا انقطاع: ثمة وفرة في كل شيء. كل شيء يسقط من عينه يشبه كل شيء في أيدينا. وكل شيء لا روح فيه: الأطعمة كأنها هواء والدنانير لا تجلب شيئا. الرجال تجالسهم ثم تنفض عنهم كأنك لم تجلس ولم تستمع. حتى الصدق والإخلاص اللذان كانا يستهلكان جهدنا كان قادرا على أن يطرح لنا ما يشبههما وبوفرة كذلك. ولم يعد يصح في الأذهان شيء. تشابهت علينا الأمور، وصح قول المتنبي واحتاج النهار إلى دليل.
وكلما شققنا طريقا للسير إلى غاياتنا شق طريقا آخر لا يصل إلى غاية. كان الناس يقولون إن الغاية اختراع قديم ثم يندفعون في طريقه ولا يلوون.
من كتابي "أصداء الأوتوبيوجرافيا" بتصرف يسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق