الاثنين، 27 أغسطس 2018

للكون غاية

ولست أعرف أيها الصديق العزيز كيف تلقيت مدونة الأمس التي تذهب إلى أن للكون غاية وكانت بعنوان " teleogy". فأما إذا أردت أن تقرأها على النحو الذي أردته أنا بها على الأقل، فلا يغب عنك إدامة التأمل في قول الله تعالى: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعونﱠ المؤمنون" ( ١١٥).
فكرة "النسبية"- بوجهها السلبي كانت
هي صندوق الشرور الذي انطلقت منه الكائنات الخبيثة التي أرقت حياتنا وكدرت أيامنا، وبها تساوى كل شيء مع كل شيء، وبها صار الكون لعبا محضا لا غاية له ولا هدف ينتهي إليه، وبها صار لكل من يريد أن يفعل أو أن يقول ما يريد. لو فقط كان يوضع في الحساب أن كل شيء على محك الاختبار! 
لا معيار يستند إليه ولا أساس. تفشت مقولة "كله ماشي" وتركت السفينة في مهب الريح توجهها كيف شاءت، وضاعت فكرة الفطرة المركوزة في النفوس. ولم يعد لأحد الحق في أن يستقبح القبيح أو يستحسن ما يخالفه. 
أما إذا أردت أن تعرف كيف كان ذلك "سيرة فكرية" فلا سبيل إلى ذلك غير أن تعيش الأفكار بنفسك وتلابسها وتلابسك أنى توجهت وتخبر آثارها في نفسك بعد أن تطول عشرتك بها. ولا سبيل إلى ذلك سوى أن تخلص أوقاتك كلها للتفكير. ولا أظن أن حياتنا الحديثة بحيث تسمح بذلك الآن. ضيق علينا الخناق حتى انصرفت أوقاتنا كلها لحفظ البقاء، وله بالطبع الأولوية الأولى. التفكير رفاهية لم تعد تتسع لها الحياة. 
وأنا أعرف أن لي أصدقاء أعزاء سيقولون لك: ابتعد عن تجربة الأفكار فستعود منها منهكا، أو غريقا هالكا، واعمل بقول القائل:
رأى الأمر يفضي إلى آخر فصير آخره أولا
ولا يخلو القول من حكمة، لأنك لا تلقي بنفسك في اليم وأنت تعلم عجزك عن السباحة والعوم، فالنتيجة معروفة سلفا: الهلاك. ولكن لا يجوز أن نحض الناس على الزهد في تعلم السباحة والعوم وارتياد الآفاق. وإن من "ذاق عرف" على حد العبارة الشائعة التي تصلح لهذا المقام. 
فأما "الغائية" فتورث النفس حاجتها من الطمأنينة والأمان وتسليم الأمر لله، ويشهد بها كل شيء في بنية وجودنا التي تمضي على وتيرتها، وأما النسبية إن مضت بغير كبح جماح، فذلك الوحش الذي يلتهم هذه الأحاسيس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق