الأحد، 16 سبتمبر 2018

أغنية لأورفيوس


مقدمة:
شاع عن أورفيوس أنه الذي أعاد الهمج بموسيقاه إلى الحياة الإنسانية من جديد. وكانت الوحوش تنجذب لغنائه وتحتشد حوله وتتحرك الصخور ناحيته ويتوقف النهر عن مجراه ويعود في الاتجاه الذي جاءت منه موسيقاه. لقن أكلة لحوم البشر من المتوحشين أن يعيشوا على ثمار الفاكهة، وجعل الأسود والنمور تدخل في طاعته. أعطاه أبولو رب الموسيقى القيثار وعلمه الغناء، وكان مندهشا لبلوغ تلميذه وربيبه غاية الكمال، بل وتفوقه عليه. وقصة أورفيوس وحبيبته "يوردسي" من أشهر قصص الحب



وأشيعها في الآداب الغربية. رفضت يوردسي صاحبة الجمال الذي لا مثيل له جميع خطابها على كثرتهم ومضت في طريقها، حتى إذا عزف أورفيوس على جيتاره، أصغت وتحركت عاطفتها له. لكن قصتهما كانت محزنة، لدغتها أفعى وهي تسير حافية بين المروج الخضراء ليلة زفافها فماتت. لكن أورفيوس لم يستسلم ومضى في رحلة طويلة إلى العالم الآخر- عالم الموتي واستعطف "هاديس" الموكل بالموتي أن يعيد إليه حبيبته، وغنى له على قيثاره وذكره بحبه هو نفسه- هاديس لبرسيفوني التي كانت تغيب عنه في شهور الصيف- حسب القصة المشهورة- وكيف يكون الحال به لو امتدت هذه الغيبة للأبد. هنا دمعت عين هاديس وأرسل في طلب ربات القدر الثلاث، وأمر الثالثة منهن الموكلة بقطع الخيط المقدر طوله بطول حياة أي فرد أن تنظر الموضع الذي قامت فيه بقطع خيط حياة "يوردسي" وأن تلفقه من جديد. قال له: اخرج الآن وهي من ورائكجاء في أغاني أورفيوس للموت أن "يوردسي" ماتت قيل أن تأخذ حقها في الحياة وأنها كانت كالوردة التى قطفت قبل أن تتفتحوكان شرط هاديس على صاحب القيثار أن يتحلى بالصبر ويواصل السير فلا ينظر وراءه وحبيبته تتبعه، ليس قبل أن يصل إلى العالم العلوي- عالم الأحياء ويشرق النور عليهما، وهو ما قام بتنفيذه، لكنه لم يكن واثقا من أن حبيبته تعود للحياة وأنها تسير من ورائه، مما جعله يلتفت متحققا وذلك في اللحظة نفسها التي وطأت قدمه عالم النور، لكن العائدة من ورائه كان يفصلها خطوة عن هذا العالم، فانقلبت عائدة من حيث جاءت وأيقن صاحب الغناء بانفلات الطيف إلى الأبد

أغنية لأورفيوس

أيها الشاعــــــــر الذي طاف في الأرض بأوتار قلبه يتغنى
فأثار الحجارة الصُمَّ حتى     هنّ وجدا به تبدَّلْن عهْنا
وتنادى العصفور من جانب الوادي إليه وحطّ حيث استكنا
واقتفته الوحوش ثم استدارت   كالتلاميذ حوله مٍلْنَ أُذْنا  
يتسمعن شعره صامتات   صمت أهل القبور حين أرنّا
نحن صرنا حجارة وحديدا    ووحوشا لا تهتدي فأعدنا
إننا يا أثابك الله عنا      هل ترى ما أصابنا نحن متنا   
هات قيثارك السماويّ وانهض لاتغيب تلك المزامير عنا 
نادم الوحش مرة من جديد  وارفــــع الكرب والمضرة عنا  
أنت لم ترتض الظلام لأحبا  بك فاعبر وجئ بنا أخرجنا
إننا الوردة التي نزعتها     قبل إبانها يد الموت، إنا
واصل السير في الطريق إلى الصبح وكن أنت واثقا مطمئنا 
وتيقن أنا وراءك فامكث   وانتظر حتى يشرق الفجر وهنا
وهنا: أي في الهزيع الأخير من الليل
ألهميه ياربة الشعــــــــر وحيا  يحي موتى من الظلام وفنا
لا تضني عليه بالقول إن كا    ن زماني بحاجة النفس ضنا
هي إحدى العطيَّتين فإمــــــــا      حاجة القلب أو لَهاً تتمنى
العطية: الهبة. واللها: جمع لهاة
وأعيدي عهــــــــــد الغناء فإنا  جفت الروح والمشاعـر منا
امنحيه شهد اللسان فقد يصـــــبح يوما مما من الزهر يجنى
لا يكن شعره خواء وحرفا       عاريا، زمّليه لفظا ومعنى
بالخواء المشتار من جبل الأولمب أعيا الرقاة إنسا وجنّا
الخواء، الأولى بفتح الخاء والثانية بضمها: العسل
ماالذي قلته لـ"يُورِدَسِي" ..    ياابن مُهْدِي القيثار قل أسمعنا
  فاستدارت وأرسلت شفتيها    وتغنت بالحب ساعة غنّى
حين ردت خُطّابها وأجابت      نبض يمناك إنه كان يُمْنا
خاطب الموت قل له نحن قهرا     من دُفِعنا إليه يوم وُلدنا
ذلك الدائن الذي يتقاضى       دينه أين منه نهرب أينا
غن نسل العبيد، غنِّ لعل الـنفس منهم تطيب، لا تبق لحنا
كل من قابل الجميل بجبن    وتمادى فزاده الله جبنا
آكلي لحم الآدميين حيّا   قد يرون الثمار أشهى وأهنا
أدخل الشعب في الحضارة عهدا  ليس قردا يعود أو كركدنّا
حوِّل النهر لا يصب مياه النيل في اليم بل يحور إلينا


من ديواني "دموع أفروديتي"



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق