الأحد، 21 أبريل 2019

شعر الدكتور السيد ابراهيم بين التقليد والحداثة


 شعر الدكتور السيد ابراهيم
بين التقليد والحداثة


أ‌.        د /أحمد الشيمي
عميد كلية الألسن
جامعة بني سويف

الدكتور السيد ابراهيم محمد ناقد وشاعر، وهو يمارس النقد والإبداع كما مارسه نظراؤه من أساتذة الأدب والنقد في كثير من الجامعات العربية والغربية، ومنهم مثلاً:  طه حسين وعبد القادر القط وشكري محمد عياد ولويس عوض وسعد مصلوح وعبد اللطيف عبد الحليم (أبو همام)، وهناك الشعراء النقاد مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وصلاح عبد الصبور. وفي الآداب الغربية نجد فولتير وجان جاك روسو وكولردج وشللي وكيتس وماثيو آرنود وإليوت ود. هـ. لورنس، إلى آخر هذه القائمة النبيلة المؤلفة من الذين أثروا حياة البشرية بآدابهم ونقدهم. فالدكتور السيد ابراهيم ناقد أدبي معروف لـه أكثر من تسعة كتب في النقد،
وهي كتب معروفة ورائجة وتلعب دورها في إثراء الفكر النقديفي مصر والعالم العربي: فهو مؤلف كتاب "الرمز والفن: مدخل الأسلوبية والسيميوطيقا في الدرس الثقافي"، وكتاب "قراءات جديدة في أدبنا المعاصر"، وكتاب "المتخيل الثقافي: ونظرية التحليل النفسي المعاصر"، وكتاب: "الاتجاهات الفلسفية في النقد الأدبي عند العرب في العصر العباسي"، وكتاب: "قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير وأثرها في التراث العربي"، وهي رسالته للدكتوراه، وكتاب: "آفاق النظرية الحديثة"، وكتاب "نظرية الرواية"، وكتاب "نظرية القارئ وقضايا نقدية وأدبية"، وكتاب "الضرورة الشعرية: دراسة أسلوبية" رسالة ماجستير عام 1976، وأضف إلى ذلك عشرات المقالات والأوراق العلمية المقدمة في مؤتمرات محلية ودولية، وهو محقق جيدفي كتاب "ضرائر الشعرلابن عصفورالإشبيلي": وهوالكتاب الذي فازبالجائزة الأولى لتحقيق التراث من مجمع اللغةالعربية بالقاهرة،عام 1981م، وأثنى عليه المرحوم عبد السلام هارون، كما حقق جزءًا من مختارات البارودي الشعرية، وشرع في تحقيق شعر ابن القيم ولم يطبعه.  وهذه المؤلفات تكفي لحجز مكانه اللائق بين النقاد المبدعين في مصر في العقود الأربعة الأخيرة على الأقل. والحق أن الجهو د النقدية للدكتور السيد ابراهيم تستحق اهتمام الباحثين من أقسام اللغات لأهميتها الفكرية، ولولا وما نراه من العزوف العام للدارسين عن دراسة مبدعينا جميعًا لظننا أن هذا التجاهل مقصود .  ولكن المشكلة عامة، وهي مشكلة ثقافية مصرية  وعربية أصبحت متجذرة في الثقافة العربية وتحتاج إلى من ينبه لها، ويتبنى حلها،  وليس هناك أفضل من أن يتصدى لها من أقسام اللغة العربية في الجامعات وسائر أقسام اللغات.
لا نتناول في هذا البحث جهود الدكتور السيد ابراهيم النقدية، ولكنا نركز هنا على الجانب الإبداعي عنده، فهو شاعر متحقق لـه أربعة دوايين معروفة  هي:  "عبير الرياض"، و"صلوات العشاق"، و"دموع أفروديت"، وديوان "لينور"، وقصائد أخرى كثيرة لا تضمها دواوين، ومنها هذه القصيدة التي ندرسها اليوم والتي تتألف من مائة وتسعة أبيات: خمسة وثلاثين منها في البحر الكامل تشكل اللحن الأساسي في القصيدة، وأربعة وسبعين بيتًا من بحور مختلفة تشكل التنويعات على اللحن الأساسي. ورغم أن القصيدة عمودية فإننا نريد أن نخلص إلى أن الشاعر لا يكتب قصيدة تقليدية بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، ولكنه يلتزم بالحداثة من وجهة نظره التي يجسدها في  تنوع البحر الشعري والوزن والقافية، وفي الانتقالات المفاجئة من فكرة إلى فكرة دون الانبتات التام عن الفكرة الرئيسية، ودون الوقوع في التشظي الموضوعي المقلق.
ينتمي الدكتور السيد ابراهيم لهذه الكتيبة التي تكتب القصيدة التقليدية، وهي كتبية لا تزال صامدة في الحفاظ على القصيدة العمودية، ولكنه لم  ينأى بنفسه عن التجديد في إطار هذه القصيدة ذاتها. فعدد قليل من شعراء العمود يعون السياق الراهن، ويستطيعون مواكبة الجديد، ويدركون أيضًا أن تركيز الشاعر على وصف العالم الخارجي قد انتهى إلى الأبد، وأن شاعر اليوم يصف عالمه الداخلي المائج في ثنايا الذات، وما تعانيه هذه الذات من شجن، وذلك باستخدام لغة إيحائية معبرة. فالمعجم الشعري لم يعد تقليديًّا، وإن كان الشكل لا يزال تقليديًّا. لقد صار الشعر وسيلة لاكتشاف النفس كما يقول الحداثيون،وهذا ما فعله الدكتور السيد ابراهيم في هذه القصيدة. فهو من ناحية حافظ على القالب التقليدي للقصيدة العمودية، وهذا من قبيل إيمان راسخ عنده بالتراث الذي قامت عليه هذه القصيدة وقام عليها، وكذلك إيمانه بأن عمود الشعر يحمل على عاتقه الكثير من مكونات الهُوية العربية، والكثير من عناصر الشخصية العربية التي يعتقد – وهذا حقه – أن التهاون فيها يعني التهاون في هويته وشخصيته، فهو المتخصص في الشعر العربي القديم، الباحث المدقق في التراث العربي، والمطلع واسع الاطلاع على الآداب الغربية، والملاحظ لما طرأ على هذه الآداب من تغيرات وتطورات. فلم يملك إلا أن تكون عينه على التراث، وقلبه مع التجديد.
فنحن نرى الدكتور السيد ابراهيم يطلق لنفسه العنان في الانتقال من بحر إلى بحر، ومن قالب شعري إلى آخر، وهي انتقالات ربطها ربطًا محكمًا بتوتراته النفسية، وتقلباته الذاتية. وهو يلحق بالحداثة من أبوابها المعروفة: وهي الرمز والإيحاء والإحالة واستغلال الأساطير والانتماء إلى التراث العربي والعالمي. أضف إلى ذلك أن ألحانه مدهشة، ولغته رائقة مثيرة، وعباراته محببة لا تُنسى، وإشاراته مفاجئة ودالة. فهو يؤمن بأن جوهر الشعر ليس في الشكل وإنما في الصورة الخيالية التي تنقل العقل إلى التخييل المبدع المدهش، يستطيع الشاعر أن يفعل ذلك حتى في إطار القالب القديم، فعل ذلك الدكتور السيد ابراهيم في دوايينه التي ذكرناها وفي هذه القصيدة التي بين أيدينا أيضًا. ونستطيع أن نستنبط من هذه القصيدة عددًا من الخصائص الحداثيةالتي يتبناها الدكتور السيد ابراهيم، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر ارتباط شاعرنا بالتراث العربي والإنساني. فهو يرتبط بالتراث العربي في تمثله لبحور الشعر التراثي.  وفي الاقتباس من القرآن الكريم، وفي استلهامه لأسطورة زرقاء اليمامة، وفي طريقته في الاستهلال عندما يخاطب حبيبته، ربة الشعر، وهو خطاب قديم نجده في الشعر العربي، حيث كان العربيستهلون قصائدهم بالغزل والبكاء على الأطلال. ويتجلى عشقه للتراث في التزامه بالبحور العربية، مع التنوع الشديد في إيقاع القصيدة،فهو يتبنى تقنية مجمع البحور التي كان يتبناها الدكتور أحمد زكي أبو شادي. وغيره من شعراء أوائل القرن العشرين الذين كانوا ينشدون التجديد في إطار القصيدة العمودية، رغبة في ضرب عصفورين بحجر واحد: الاحتفاظ بعمود الشعر رمزًا للهُوية العربية، والتجديد في شكل  القصيدة وموضوعاتها وتقنياتها.(1)
ثم إننا نلمس تعلق شاعرنا بالتراث الإنساني، وهذا واضح في تمثله لشعر وردزورث وإليوت وشيكسبير والأساطير الغربية مثل أسطورة أدونيس وفينوس وغيرهامما نلحظه في هذه القصيدة التي نقرأها اليوم. والدهشة في حد ذاتها مصدرها روعة شعرية تفاجئنا حتى قبل أن نفهم شيئًا، يعني حتى قبل أن نعمل عقلنا لإزاحة الغموض؛ فهو لا يستعين بالغموض الإبهامي الذي يغلق النص على القارئ فلا يفهم شيئًا، ولكن الغموض الذي يستخدمه الدكتور السيد ابراهيم غموض جمالي؛ فالغموض في حد ذاته من مصادر الجمال، شرط أن يكون ذلك الغموض الجمالي الذي لا يصبح معه النص الأدبي طلسمًا يصعب فك شفراته، وإنما الغموض الذي يتردد في النفس لذة شعرية يتم الوصول إليها من خلال الخبرة والإحساس والشعور الداخلي الوجداني المثقف، وليس الغموض بمعنى التعقيد، والحيلولة دون الوصول إلى المعنى، وأظن أن الإغراق في الغموض بمعنى الانطماس التام للمعنى عجز عن الإبداع يلازم كثيرًا من أدعياء القصيدة الحداثية، وخاصة قصيدة التفعيلة وحتى قصيدة النثر، ربما لغياب الرؤية أو قصورها. فالغموض عند الشاعر لازمة من لوازمه الإبداعية، لأنه ببساطة يستخدم الاستعارة، وهي في جوهرها جعل غير الممكن ممكنًا، إمعانًا في التعمق في التجربة الإنسانية، من خلال الاستثمار شبه الكامل للألفاظ بكل ما تحمله من تاريخ دلالي وجمالي، وبكل ما تحمله من إيحاءات وإحالات لا حصر لها اكتسبتها عبر تاريخ طويل من الاستخدام، وأكثرها استعاري مفارق للمباشرة التي ليست من جوهر الشعر ولا من ضروراته. فيمكن أن نقول إنه ينتمي إلى الشعراء الميتافيزيقيين والرومانسيين من بعدهم، وأولئك وهؤلاء ينتمون في الأصل إلى المدرسة الشيكسبيرية. وفي تراثنا نجد  الغموض الجمالي يتجلى في شعر ابن الفارض والحلاج وابن عربي والمعري وذو الرمة وابن الرومي وغيرهم. والغموض – هو انحراف اللغة عن المألوف انحرافًا إبداعيًّا يتمثل في التشبيه والاستعارة والتورية والمجاز والتناقض وما إلى ذلك من ضروب التصوير الرمزي.(2)
فالدكتور السيد ابراهيم يلجأ إلى الغموض الجمالي في شعره، وهي صفة من صفات الحداثة، فهو يكتب قصيدة حداثية في ثوب كلاسيكي، لا كما كان يكتب شعراء الديوان كالعقاد والمازني وعبد الرحمن شكري الذين اكتفوا من التجديد بتعديلات في الوزن والقافية، واستخدام لغة العصر، والابتعاد عن محاكاة القدماء في الأغراض والمعاني، وإنما هو شاعر حداثي modernist ولدينا أكثر من دليل على هذه الحداثة في هذه القصيدة.
أول هذه الدلائل على الحداثة أنه يستعين بالغموضن الجمالي، فقد جعل الغموض مصدر متعةفي حد ذاته؛ لأن المتعة تأتي من أن غموضه مصحوب بوعد بالوصول إلى المعنى، فنحن نستطيع أن نقول إن القصيدة متاهة، ولكنها متاهة فنية، إبداعية، ما إن يلجها القارئ حتى يصبح فريسة لغموضها الفني، ولكن ما يلبث أن يكتشف أن الغموض ليس مطلقًا، وأن الدخول في المتاهة ليس معناه الضياع، فنحن نخطو بعض الخطوات في هذه القصيدة المتاهة فيمنحنا النص بعض الخيوط، وبهذه الخيوط تتعلق مفاتيح نفتح بها المغاليق والأبواب، والخروج بعد ذلك آمنين ولدينا محصول معرفي ورصيد جمالي يظل صداه يتردد في النفس، ولا يكف عن بعث الأمل في تأويل جديد لا يقل أهمية عن التأويل الأول، وربما يتجاوزه من حيث المتعة.
تتجسد حداثة القصيدة هنا في بنيتها الغريبة، فهي القصيدة التي يمكن أن نسميها القصيدة المضفرة. نجد الأبيات المكتوبة بخط "بولد" أو أسود، عددها 35 بيتًا وهي تشكل اللحن الأساسي، والتنويعات variations أربعة وسبعين بيتًا،  فهي ليست مجموعة واحدة، فاللحن الأساسي هو المكتوب بالخط الأسود، والتنويعات هي التي يكتبها بالخط الباهت، وبين اللحن الأساسي والتنويعات اختلافات وتواشجات تذكرنا بالموشحات من حيث التركيب ومن حيث اللغة، فلغة القصيدة رقيقة عذبة صافية لا تصادفك لفظة معقدة أو صعبة، ولا يصادفك تركيب عويص منفر. كأن الشاعر هنا يريد أن يقول لك: حتى إن لم تفهم ما أقول، حتى إذا بحثت عن الفكرة ولم تجدها، فلن تعدم متعة فنية سببها هذه اللغة الرقيقة العذبة الصافية، وسببها تلك المفردات المدهشة الناعمة، أي أن القصيدة لن تخذل قارئها في جميع الأحوال. أنا شخصيًّا لا يتعلق قلبي بقصيدة إن لم أجد هذه المتعة الفنية في اللغة والتركيب والصورة والألفاظ المدهشة والتراكيب الناعمة نعومة الحرير، وهذا ما وجدته في قصيدة الدكتور السيد ابراهيم رغم أني توقفت عند بعض أجزائها دون الوصول إلى الفكرة، ولكن  القصيدة كما قلت تمنحنا الأمل دائمًا في الوصول إلى الفكرة. ولم يكن الرومانسيون يعتدون كثيرًا بموضوع القصيدة ومعناها، ولكنهم كانوا يقيسون جودة القصيدة بألحانها ومقدار المتعة التي يجلبها القارئ أو السامع.
والوصول إلى غرض القصيدة وهدفها طريق ليس باليسير، ولكنه ممتع؛ وهناك مفاتيح لابد أن نستعينبها جمعناها خلال رحلة الدخول في متاهتها، وقد وقفنا فعلاً على عدد من المفاتيح: مفاتيح خارجية يسيرة ألقاها علينا الشاعر في الطريق ربما لكي نعثر عليها، رغبة منه، ومن هذه المفاتيحتلك الألفاظ الأجنبية التي نطالعها في القصيدة،  وهي أربعة ألفاظ: كرر اللفظ الرابع ثلاث مرات، يعني لدينا سبعة، ولكن نعتبرها أربعة وهي: hyacinth girl فتاة الخزامى، وفينوس وأدونيس Venus and Adonis وخليج جلنكون Glecyone Bayوأزهار النرجس Daffodils.  وهناك مفاتيح داخلية ظاهرة للعيان أيضًا لا يبذل القارئ مجهودًا كبيرًا في العثور عليها، وهي "سيبيل"، و"صاحب الأرض الخراب"، و"أقسى الشهور إبريل"، و"الغراب"، و"الموت يكمن في المياه"، و"الليلك"، و"الكلب الباحث عنالجثة"، و"زهرة بنت الصبح"، وهناك مفاتيح أخرى عرفنا بعضها ونسعى في معرفة بعضها الآخر مثل: "المرأة الشمطاء"، و"الفنجان"، و"زهرة الجيف"، و"زهرة بنت الصبح". ولكن هل للقصيدة مفتاح رئيسي: يعني "ماستر كي". نعم لها مفتاح رئيسي وهو: "الغربة والتساؤل"، والغربة لها تفسيرات تُحمل عليها، منها مثلاً غربة المرء عن نفسه، وغربته عن وطنه، وغربته عن محبوبته، وأستطيع أن أقول إنها غربة عن الشعر؛ وهي غربة خطيرة، يعاني منها الشاعر أو الأديب، كما حدث مع نجيب محفوظ الذي توقف عن الكتابة بعد نشر الثلاثية في العام 1952، ولم يعد إليها إلى بعد سبع سنوات عندما نشر "أولاد حارتنا". يذكر شاعرنافي البداية الغربة، والغربة نستطيع أن نستشفها من ظمأ الشاعر للماء؛ فالماء هو الحياة، والشعر ماء الحياة، ومعروف أن الماء والشعر وجهان لعملة واحدة؛ لأن الشعر كالماء يموج بالحركة والتغير، فالقصيدة كالنهر لا تستطيع أن تنزله مرتين كما يقول "هيراقليطس"، فهو يُلَّمح إلى غربته عن الشعر الذي ظمئ لمائه، وهفا لـه فؤاده فسمع صليله في جوفه.
1-    في غربتي عنها ظمئت لمائها               وهفا الفؤاد فصل فيه صليل
2-    وكأن من آثارها أبناءها                      قد خط حد كفافها الإزميل
3-    هل كنت لهفى في انتظارك أوبتي           أم قد عرا عهد الهوى التبديل
والأبناء هنا هم  القصائد التي يخطها بالإزميل الذي هو القلم،وهي لفظة توحي بالمعاناة المصاحبة للإبداع، فالإزميل رمز الإبداع البصري والتشكيلي تعرفه الموسوعة العربية الميسرة بأنه "أداة ذات طرف قاطع تستخدم لقطع أجزاء صغيرة أو أشكال غير عادية، وتدفع في القطع المشغولة باليد أو بمطرقة، وتُصنع على أشكال مختلفة في الخشب والحجر والمعدن. والإزميل من أقدم الأدوات، صُنع قديمًا من الحجارة، ثم من المعادن اللينة"(3)
فهل القصيدة لهفى في انتظار عودة الشاعر من غربته؟ أم تبدلت الأحوال؟ طبعًا تبدلت الأحوال ولكن ما يهم الشاعر هو كيف يخرج من هذه الغربة الإبداعية التي لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن الغربة الاجتماعية والسياسية التي تمر بها الأوطان العربية. فهل شاعرنا متشائم رافض كما كان إليوت متشائمًا رافضًا، واضح أن هذه الغربة الإبداعية النفسية تشبه الغربة الإليوتية، وربما أراد الشاعر أن يربطها بالغربة الإليوتية التي عبر عنها إليوت ضمنًا في قصيدة "الأرض الخراب" التي كتبها بعد الحرب العالمية الأولى ونشرها في العام 1922. نشهد ذلك في تعدد الأطر المرجعية، وفي تلك الأصوات المتعددة "البولوفينية" التي يمثل لها بتعدد البحور، بالضبط كما فعل إليوت في "الأرض الخراب"، وحتى تصريحًا من خلال هذه الأبيات:
20- ما قلته يا شاعر "الأرض الخرا    ب" اليوم قد أضحى لـه تأويل
21- الأرض أرض النيل في أبداننا      أبدًا وفي الشريان يجري النيل
23- درجت عليها نفس ذي مقروحة   طمحت لأمر ما إليه سبيل
34- أبريل أخرجها إلى هذا الورى     أقسى الشهور جميعها أبريل

المفاتيح الأجنبية
المفاتيح الأجنبية الأربعة التي توحي بالغربة ليس لكونها أجنبية فحسب، ولكن لأنها اختيرت أيضًا بعناية لتمثل هذه الغربة النفسية والفكرية:
Hyacinthgirl
ومعناها "فتاة الخزامى" كما ترجمها الدكتور السيد ابراهيم، أو "فتاة الزنابق" كما ترجمها الدكتور عبد الواحد لؤلؤة والدكتور نبيل راغب، أو "فتاة الباسنت" كما ترجمها الدكتور لويس عوض، المهم أن إليوت أفرد قطعة من قصيدته لهذه الفتاة وقدرتها على الإيحاء بالغربة النفسية، وهي بالإنجليزية:
“You gave me hyacinths first a year ago;
“They called me the hyacinth girl.”
—Yet when we came back, late, from the Hyacinth garden,
Your arms full, and your hair wet, I could not
Speak, and my eyes failed, I was neither
Living nor dead, and I knew nothing,
Looking into the heart of light, the silence.
 وقد قام الدكتور السيد ابراهيم بترجمة هذه القطعة شعرًا وأدرجها في قصيدته كتغيير على اللحن الأساسي كما قلنا. والذي يريد أن يتأكد من وجه الشبه بين القطعتين يقرأ ما ما كتبه إليوت في أكثر من ترجمة نبدأ بترجمة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة، وهي الترجمة التي أفضلها شخصيًّا:
أعطيتني زنابق أول الأمر منذ سنة؛
فصرت أُدعى فتاة الزنابق": ولكن عندما رجعنا، متأخرين، من حديقة الزنبق،
ذراعاك ممتلئان، وشعرك مبلول، ما استطعت
الكلام، وخانتني عيناي، لم أكن
حيًا ولا ميتًا، ولا عرفت شيئًا،
وأنا أنظر في قلب الضياء، الصمت.
موحش وخالٍ هو البحر. (4)

وها هي ترجمة الدكتور نبيل راغب:
"أنت منحتني الزنباق أول مرة منذ عام،
"حتى أسموني فتاة الزنبقة".
ولكن عندما عدنا في ساعة متأخرة من حديقة الزنابق،
ذراعاك مملوءتان، وجدائل شعرك مبتلة، عجزت
عن الكلام، وعن رفع جفوني، لم أك
حيًا أو ميتًا، ولم أعلم شيئًا،
وأنا أشق بعيني قلب المساء، السكون.
والبحر خواء مترامي الأطراف.(5)

وها هي ترجمة الدكتور لويس عوض:
منذ عام كان زهر الباسنت أول ما أعطيتني"
"فسموني فتاة الباسنت"
ولكن حين عدنا متأخرين من حديقة الباسنت
ذراعاك مليئتان وشعرك مبتل،
عجزت عن الكلام وكلت عيناي،
فلم أكن بالحية ولا بالميتة، ولم أعرف شيئًا
وأنا أتفرس في قلب الضياء، في الصمت.
عميق وفارغ هو البحر.(6)

اما الدكتور السيد ابراهيم فقد صاغها شعرًا كما كان يفعل أحمد رامي مع رباعيات الخيام التي غنتها سيدة الغناء العربي، وما فعله نيقولا فياض مع قصيدة "البحيرة" للامرتين، وغيرهم ممن ترجموا الشعر شعرًا بتصرف،وأنجزوا ما كان يسميه نيدا "التعادل الدينامي" أو "dynamic equivalence"الذي معناه أن يكون تأثير القصيدة على القارئ معادلاً لتأثيرها وهي ومكتوبة باللغة الأصلية على قارئها الأصلي. أراد الدكتور السيد ابراهيم أن يبدع قصيدة جديدة على شرف قصيد أزهار النرجس التي كتبها ورودزورث، ليست مطابقة لها ولكنها معادلة، ضرب من التجاوب مع الشاعر الرومانسي الأشهر في الغرب، ومحاولة لتبني أحزانه وهمومه، وسعي إلى التعبير على نهجه عن أحزان إنسان العصر الحاضر، لنقرأ:
1-     أنت أهديتني زهور الخزامى            قبل عام مضى فيا لك عاما!
2-     لم يكن لي في العاشقين انتساب        صرت أُدعى "فتاة الخزامى"
3-     يوم عدنا من الحدائق كنا               قد نسينا أمر الزمان تماما
4-     انقضى الوقت ما شعرنا بأنا             لم نرم أو لسنا نردُّ السلاما
5-     ومضت ساعتان ثم علينا               لا نبالي لو كانتا أياما
6-     بيديك الورود حين هتفنا             بهجة بالكئوس جاما وجاما
7-     ورجعنا عند الغروب من البحـــــــر خطانا تسابق الأقداما
8-     قد أخذنا على السعادة عهدًا     أنها لا تفارق الأحلاما
9-     غير أني شعرت ما غاب عني         في زوايا النسيان أن لجاما
10-ألجم الروح عنك والعين غامت  لا ترى من الضياء إلا ظلاما
11-جمد القلب والمشاعر غاضت            ولساني من التكلم صاما
12-أيها البحر جف ماؤك إلا      عبرات الغريب إثر الندامى"
فالدكتور السيد ابراهيم هنا مترجم مبدع، احتوى القصيدة وأعاد إنتاجها في نص جديد كأنه ينهل من الثقافة الهدف، وأراد لها أن تؤثر فينا كما أثر النص الأصلي في القارئ الأصلي. "والخزامى "،hyacinth"" علاوة على أنه اسم زهرة هو اسم البطل اليوناني هياكنتوس الذي كان عاشقًا لـ "أبولو". كان أميرًا لإسبرطة القديمة، وكان شابًا معشوقًا من جميع الآلهة بمن فيهم أبولو، وفي يوم من الأيام أراد أبولو أن يعلمه رمي القرص وكانت الرمية قوية أصابت هياكنتوس في رأسه ومات. فمن شدة حزنه على صديقه قرر أبولو ان يجعل الدم الذي سال من هياكنتوس على الأرض ينبت زهر "الخزامى" أو "الباسنت" أو "الزنابق". إذن الذكريات التي يسردهاإليوت ويعيد سردها الدكتور السيد ابراهيم في قصيدته ذكريات تبادل زهور بين عاشقين، ولكنها في الوقت نفسه ذكريات موت، موت البطل الأمير وموت هذه الذكريات نفسها، فما هو المصير المحتوم لكل شيء؟ أليس هو الموت..أوالصمت كما عبر عنه الشاعر في آخر القطعة كما وجده الراوي مع الفتاة؟  وزهور "الخزامى" تكثر في حقول فرنسا، وظهرت شائعة بعد الحرب العالمية الأولى تقول إنما تقتات على أجساد القتلى، قتلى الحرب المدفونين تحت تراب هذه الحقول. طبعًا جميع قصص الحب في قصيدة الأرض الخراب مرتبطة بالموت والخسران المبين، فقد أشار إليوت إلى قصة الحب بين ترستان وإيزولد في قسم "دفن الموتى"، وقصة العشق بين "أنطونيوس وكليوباترة" في القسم المعنون بـ "لعبة شطرنج"، فترستان يموت وكليوباترا تموت، وعشق "فتاة الخزامى" لا يفضي إلى شيء مفيد للطرفين، وتشم منها رائحة الموت. كلها قصص حب مجهضة، لم تكتمل. وقد أمعن الدكتور السيد ابراهيم في التعبير عن موقف صاحب "فتاة الخزامى"، الذي استوحاه من إليوت، وهو موقف بين الأمل واليأس، لقد انتهى الراوي العاشق إلى اليأس والعدم بعد ذكرى الزهور والأمل، فقد خانه لسانه وبصره وتُرك بين الحياة والموت مثلهمثله"سيبيل" في أول القصيدة. تبع ذلك البيت رقم (4) من أبيات اللحن الأساسي، يقول: 
4-                  كنا هنا نفس الشتاء يلفنا               ثوب بدفء لقائنا مشمول
وهو ترجمة موفقة ودالة لبيت من قصيدة الأرض الخراب لـ "إليوت" يقول فيه: "أحاطنا الشتاء بمعطف الدفء/ وافترش الأرض بجليد النسيان / وأطعم الحياة القصيرة درنات جافة.


Winter kept us warm, covering
Earth in forgetful snow,
Feeding a little life with dried tubers.

يستخدم إليوت دفء الشتاء للتدليل على هروب شخصياته من الذكريات التي أثارها إبريل، ذكريات الحرب والموت، فالشخصيات هنا تهرب من الربيع الذي يثير عندها الذكريات والرغبة، وترحب بالشتاء الذي يلفها في بمعطف الدفء والنسيان.
Venus and Adonis
أما "فينوس وأدونيس" فهي قصيدة طويلة كتبها وليام شيكسبير ونشرها في العام 1593، وكانت أول ما كتب شيكسبير، وتحكي قصة "فينوس" إلهة الحب عند الإغريق مع "أدونيس" المعروف بأنه كان أجمل الشباب، مكتوبة في رباعية يتبعها دوبيت "أب أب ت ت" ababcc، وهي  مكونة من 199 فقرة شعرية، يعني 1,194 بيت من الشعر. وطبعت أكثر من عشرين مرة. المهم أن "أدونيس" شاب جميل جدًا ولكنه لا يهتم بالحب، أصبح جل اهتمامه بالصيد. وعندما رأته "فينوس" عشقته جدًا، ونزلت إلى الأرض خصيصًا لـه. ودعته للنزول من فوق جواده، ورفض، وأجبرته على ذلك ونزل، ونامت بجواره، وراحت تحكي لـه عن الحب ودعته إلى تقبيلها ورفض، وقام وركب جواده. وفي الصباح التالي بحثت عنه لتجده جثة هامدة، قتله الخنزير البري بأنياب ضخمة، ومن جسده المدفوت نبتت زهرة، اقتطف الدكتور السيد ابراهيم من قصيدة شيكسبير أهم فقراته ونقلها على طريقته:
1-أنا مرعاك يا غزالي فأقبل                     لك ما شئت فاخترف من جناه
2-ها هنا يا كحيل عند ردائي                   هو مأواك آمنًا في حماه
3-حيث يحلو لك القرار تحول                  وانتجع في وديانه ورباه
4-ناعم العشب في الوهاد نديًا                 ووريق الصفصاف في أعلاه
5-إن أردت الرمان جادت نهود               أو قصدت السلاف نادت شفاه

ففي قصة أدونيس وفينوس هناك لهفة من جانب فينوس وعدم اكتراث من جانب أدونيس، الريبة والخوف والحزن هم قوام الحب في الجانبين، وجثة أدونيس الذي قتله الخنزير البري ماثلة في القصيدة كلها.... وعندما دُفن قامت زهرة من جانبه أخذت لون دمه، فتاة الخزامى تشعر بالحب لصاحبها، وفينوس تشعر بالحب تجاه أدونيس، فشل الحب إذن هو الموضوع الأساسي في هذه القصيدة، حتى حبيب أبولو "هياكانتوس" راح أبولو يدربه على رمي القرص فأصابه وقتله، يعني مشروع حب فاشل بين أبولو وهايكنتوس.

'Fondling,' she saith, 'since I have hemm'd thee here
Within the circuit of this ivory pale,
I'll be a park, and thou shalt be my deer;
Feed where thou wilt, on mountain or in dale:
Graze on my lips; and if those hills be dry,
Stray lower, where the pleasant fountains lie.

5-  عرج إلى "مقهى الليالي" نلتمس              دفئًا ومأوى، ليلنا سيطـــول
6-                 لا تذكر البيت الذي خلفته                  السقف يبكي شجوه ويميـــــل
7-                 ما رق قلب أخيك كان جوابه               كل أمرئ عنه نفسه مسئول
8-                 أخبرته ماذا تلاقي مذ رمى                بك في ديار الغربة التحصيل
9-                 بالمرأة الشمطاء واستيلادها              ذريـــــــة ميمـــونة مشغـــول

 هذه فقرة تحكي تجربة خاصة على ما يبدو يمكن للشاعر نفسه أن يطلعنا عليها، ولكنا نستطيع أن نخمن أن مقهى الليالي ربما كان في أي بلد عربي، وهي مقهى مشهورة في جدة في المملكة العربية السعودية، وربما تكون في خيال الشاعر/ لكن يعجبني إيقاع الأبيات وحكيها عن تجربة خاصة، الحادثة واضحة، يحكي عن شخص ذهب إلى بلاد الغربة لتحصيل العلم، وربما رافقه شقيق لـه. ونلاحظ مفردات "المقهى والدفء والذكرى والليل" وكلها مفردات ضاربة بجذورها في تجربة إليوت في "الأرض الخراب". فالراوي يريد من المخاطب أن يلتمس الدفء ويعيب عليه ضعف الذاكرة ويذكره بالأخ صاحب القلب المتحجر.
Glencoyne Bay
زار وليام وردزورث وأخته دوروثي وردزورث منتزه جلنكن عند خليج جلنكن في 15 أبريل 1802 كانت هذه الزياة ملهمة لوردزورث ليكتب قصيدة المشهورة "أزهار النرجس". والدكتور السيد ابراهيم يعيد إنتاج هذه الزيارة شعرًا: كانت دوروثي وردزورث أخت الشاعر، وكانا لا يفترقان في أيام الصبا والمراهقة، وكانت مؤلفة وشاعرة وكاتبة يوميات، تركت ثروة ضخمة من اليوميات المهمة  كانت تسميها: "يوميات جراسمير"، نشرتها في العام 1897 وحققها وليام أنجص نايت. فيه رصدت الحياة يومًا بعد يوم في "ليك دستركت"، وصفت صحبة أخيها وليام بالساعات الطوال في الريف، ورسمت بالكلام لوحات تفصيلية الإنجازات الأدبية في أول القرن التاسع عشر، كولردج والسير ولتر سكوت وتشارلز لامب وروبرت سذي الذي كان صديقًا حميمًا. تقول واصفة هذه اللحظة التي رأت فيها أزهار النرجس في صحبة أخيها: 
"عندما كنا في الغابات خلف منتزه جاوبارو، رأينا عدد قليل من الأزهار النرجس قريبًا من الشاطئ. تخيلنا أن البحيرة قد جرفت بذور هذه الأزهار إلى الشاطئ وبدأ تتشكل هذه المستعمرة الوردية. ولكن عندما مضينا شاهدنا مزيد من الأزهار تحت جذوع الأشجار، ما يشكل حزامًا طويلاً يحيط بالشاطئ، في اتساع طريق كبير.
لم أرَ أزهار نرجس بهذا الجمال الخلاب تنمو بين أحجار تغطيها الطحالب، بعض هذه الأزهار تضع رؤوسها على هذه الأحجار كأنها تصنع منها وسادات، ونرجسات أخرى تهز رؤوسها وترقص وتبدو كأنها تضحك بحبور مع الريح على شاطئ البحيرة، إنها تبدو كأن الفرح يشملها فلا تتوقف عن الرقص والتبدل.
كانت الريح  تهب على شاطئ البحيرة تداعب هذه الأزهار بقوتها الحانية. تأملنا المشهد ونحن راجلين، وكنا نرتاح بين الفينة والفينة، وكانت الخلجان مغمورة بالعواصف، وكنا نسمع الأمواج من بعيد يصطك بعضها ببعض في عرض البحيرة كأنها أمواج المحيط".(7) يقول الدكتور السيد ابراهيم:

1-     ولما مشينا حيث شاء طريقنا         رأينا على طول الطريق الزهورا
2-     فقلت لعل النهر شق طريقه         إليها فألقى في حشاها البذورا
3-     ولكنها لم تنأ عنا فكلما              طوينا الخطا عنها ظللن حضورًا
4-     إلى أن رأينا تحت كل شجيرة       تظلل أغصان بهن الغديرا
5-     من النرجس البري من كل زهرة      تجاور أخرى ما تشكل سورا
6-     فمنها التي ألقت على الصخر خدها   كمن يشتكي في الجسم منه فتورا
7-     ومنها التي قد استدارت وصفقت      وهمت بوثب في الفضاء حبورا
8-     إذا دغدغتها الريح ضاحكة بها          توارت حياءً فاكنسي الثغر نورا
9-     تبادلن هذا الضحك حتى حسبتني     بمملكة أضحى بها الأمر شورى
10-وقفنا مرارًا نستريح وحيثما             ذهبنا سمعنا للمياه زفيرا
11-كأن لهيب العشق في جنباتها         يُحَشّ فجارت لو تلاقي مجيرا
 إنه هنا يعيد إنتاج القصة المصاحبة للقصيدة، الملهمة لها، يعيد إنتاج المناسبة وليس القصيدة نفسها، يعيد إنتاج الحقيقة وليس الخيال؛ فالقصيدة نفسها تمثل الخيال، في حين تمثل مناسبتها الحقيقة، ولكن الدكتور السيد ابراهيم يجعل الحقيقة خيالاً ويمزج بينهما، فهو يستدرك الفائت، ويعوض المفقود. فرواية "دوروثيوردزورث" تتحول إلى شعر، قصيدة إضافية، أو مكملة للقصيدة الأولى. لقد قام الدكتور السيد إبراهيم بنفس ما قام به "وردزورث"، وهو الترجمة: ترجم "وردزورث" ما شاهده مع أخته، وترجم الدكتورالسيد ابراهيم ما روته "دوروثي". ونلاحظ أن حكاية "دوروثي" كانت في أبريل الذي هو أقسى الشهور عند "إليوت"، وهو أجمل الشهور عند "وردزورث ودوروثي وتشوسر ووليام كارلوس وليامز" وغيرهم من الشعراء. إنه يقصد أن أبريل جالب للربيع والخصوبة والحياة والنماء والذكريات، وكلها أمور لا يقدر عليها الرجل القادم لتوه من الحرب الكبرى، لقد فقد الإحساس بكل شيء، وليس أمامه إلا التطلع إلى حلول الصيف؛ لأن الصيف هو الذي اندلعت فيها الحرب الكبرى الأولى التي اندلعت في يوليو، والحرب الكبرى الثاني التي اندلعت في سبتمبر. وهو ما أثبته شاعرنا في هذين البيتين:
10-                     الصيف حد السيف قد عدنا على          أعقابنا طي الرجال قتيل
11-                     حبلت به الأمواج لم يسمع لـه       عند المخاض على المدى تهليل
ثم يزيد هذا المعنى باقتباسه من ديوان "دموع أفروديت" الذي كتبه على البحر الكامل، وسيرًا على إيقاع لبيد في معلقته المعروفة:
1-    نادتك أشجار النخيل فلم ترح               في ظلها قدميك من أسفارها
2-    ومضيت لم تمدد يديك – وأنت لا          زاد لديك – وقد دنت بثمارها
3-    يخشى الغوائل وائل من خلفه              وخطاه ماضية على آثارها
4-    وهدية الأيام بعد وئامها                   لك جثة الأحلام فامض فوارها

ومعروف أن موضوع معلقة لبيد هو الديار المقفرة التي عفى عليها الزمن، ووصف السيول الأعشاب والحشيش وصفًا رومانسيًّا نطلع من خلاله على نفسه ومعاناته الذاتية. فيقول لبيد: عفت الديار محلها فمقامها/ بمنى تأبد غولها فرجامها...الخ.(8) ثم يتبع ذلك بترجمة لقصيدة "أزهار النرجس" التي كتبها "وردزورث"، وهي ليست ترجمة بالمعنى الحرفي، ولكنها قصيدة على القصيدة، يقول:
Daffodils (1)
1- إن أنس لا أنس يومًا به       تجولت حرًا كأني سحابة
2- طفت عاليًا فوق بعض التلاع     تمد ظلال الهوى فوق غابة
3- أفقت على منظر لم يكن          ليذهب في الحسن شيء ذهابه
4- على ذهب لو تنادى الخلائق    فاجتمعوا ما استطاعوا اجتلابه
5- كنوز من النرجس الذهبي         إذا ما دعاه النسيم أجابه
6- بشط البحيرة لو كنت يوما         رأت امرءًا راح يدعو صحابه
7- إلى محفل يستراح به               إلى اللهو فابتدروا الاستجابة
8- كذلك كان النسيم العليل،      دعاني فهرولت واجتزت بابه
المهم أن هذه الأبيات التي هي ترجمة لقصيدة "أزهار النرجس" لوردزورث" تخدم الرسالة الأساسية التي يريد شاعرنا توصيلها، وهي أن الإنسان يعيش حياة ملؤها الأمل الذي لا يلبث أن يتحول إلى سراب. فقصيدة "أزهار النرجس"  التي كتبها ورودزورث تصف لون من "اليوتوبيا" الأرضية المفعمة بالسلام والطمأنينة، ولكن هذه الجنة الأرضية لم تدم طويلاً، وما لبث الشاعر أن اصطدم بأرض الواقع، فراح يتذكر حاله الواقعية، فهو كإنسان جرب الفقد، فقد أمه وهو في السابعة من عمره، وفقد أباه وهو في الثالثة عشرة، حتى بعد أن تزوج فقد ثلاثة من أبنائه دفعة واحدة. فالموت لا يترك الحياة في حالها. وهنا يستعين الدكتور السيد ابراهيم بالفكرة التي تطرحها القصيدة في التأكيد على فكرته هو الأساسية وهي الغربة النفسية والإنسانية التي يعاني منها ويعاني منها الكثيرون. يقول نص القصيدة الأصلي:
I wandered lonely as a cloud
That floats on high o'er vales and hills,
When all at once I saw a crowd,
A host, of golden daffodils;
Beside the lake, beneath the trees,
Fluttering and dancing in the breeze.

Continuous as the stars that shine
And twinkle on the milky way,
They stretched in never-ending line
Along the margin of a bay:
Ten thousand saw I at a glance,
Tossing their heads in sprightly dance.

The waves beside them danced; but they
Out-did the sparkling waves in glee:
A poet could not but be gay,
In such a jocund company:
I gazed—and gazed—but little thought
What wealth the show to me had brought:

For oft, when on my couch I lie
In vacant or in pensive mood,
They flash upon that inward eye
Which is the bliss of solitude;
And then my heart with pleasure fills,
And dances with the daffodils.

12-         قرّبن فنجاني وقلن لها انظري          ماذا لك الفنجان سوف يقول
13-         قالت طريقًا صاعدًا ومنازلاً            الوحش في أرجائهن يصول
14-         الموت يكمن في المياه فحاذري           ما بعد ذلك، طامس مجهول

نحن هنا أمام صورتين: صورة العرافة، وصورة الموت بالماء. والصورتان مستوحيتان من إليوت في الأرض الخراب. وطبعًا نتذكر قارئة الفنجان لنزار قباني، لأن نزار نفسه أخذها من إليوت. وربما أخذها إليوت من التراث اليوناني وخاصة قصة أوديب الذي أنبأته العرافة بأنه سوف يقتل أباه ويتزوج من أمه.المهم أن الصورتين مصاحبتان للموت، سواء الموت الذي تتنبأ به العرافة، والموت الكامن في المياه. وصورة الموت تشيعفي القصيدة كلها هنا كما شاعت في الأرض الخراب، فنجد جزء كامل عند إليوت "الموت بالماء"، الذي يحكي فيه الشاعر على لسان العرافة "سوزوستروس" حكاية فليباس الفتى الفينيقي الغريق، كما يذكرنا بقصيدة الملاح القديم لكولردج التي يقول فيها "الماء .. الماء.. من حولنا .. ولا نقطة واحدة نشربها". فهل يقصد شاعرنا أن الموت غرقًا في المياه معناه أن الحياة نفسها التي نعجب بها وتسحرنا بضيائها وثرائها ومغرياتها هي نفسها التي نغرق فيها ونموت. إن حياتنا قائمة على النفعية المادية، ومنطلقة من مكيافيلية بغيضة، ولكن هذا الحرص المادي، وتلك النفعية البغيضة هي التي تسبب تعاستنا في النهاية. إن الملاح العجوز في قصيدة الشاعر "كولردج" يقتل القطرس البحري الذي قاد البحارة إلى المخرج الآمن، وكان يظلهم ببركته، ولكن البحارة راحوا يسِمون الطائرة مرة بالتفاؤل ومرة وبالتشاؤم وفقًا لحال الرياح، فيقرر الملاح العجوز التخلص من الطائر لينهي الفتنة. وهنا تثأر الطبيعة، فتتوقف الريح، ويمتنع المطر، ولا يجد البحارة قطرة واحدة يشربونها من الماء العذب، ويموت الواحد بعد الآخر، ويعيش الملاح العجوز في حالة بين الحياة والموت، تمامًا مثل "سيبيل"، ويُحكم عليه بالهيام على وجهه ليحكي قصته، تمامًا مثل أوديب الذي هام على وجهه عندما اكتشف خطيئته.
الموت الكامن في المياه، والفنجان المخبئ للتعاسة،  والمستقبل المجهول هي قوام الأبيات هنا، وذكريات اللحظات الأخيرة قبل الموت، وهشاشة الحياة نفسها، كلها موجودة في صورة الفتى الفينيقي الشاب الذي مات غرقًا في البحر في ريعان الشباب ودون أن ينتفع بما اكتسب من جهوده في التجارة.
Death by Water
Phlebas the Phoenician, a fortnight dead,
Forgot the cry of gulls, and the deep sea swell
And the profit and loss.
A current under sea
Picked his bones in whispers. As he rose and fell
He passed the stages of his age and youth
Entering the whirlpool.
Gentile or Jew
O you who turn the wheel and look to windward,
Consider Phlebas, who was once handsome and tall as you.

ونحن نتذكر التحذير الذي أصدرته المدام "سوزوستروس" في الجزء الأول عندما قالت: "خاف الموت بالمياه". ثم إن "كولردج" في قصيدة "الملاح القديم" يقول: "المياه المياه في كل مكان، ولا قطرة واحدة نشربها"، قال ذلك على لسان البحار العجوز بعد أن شهد غضب البحر والرياح وكل عناصر الطبيعة التي حرمتهم من المطر فلم يجدوا قطرة ماء صالحة للشرب، وماتوا عطشًا رغم المياه التي تحيط بهم من كل جانب. يقول كولردج على لسان الراوي:
Water, water everywhere, nor any drop to drink

1-                 لا أنسى أيامي بريعان الصبا           أمحو وأكتب في رمال خيال
2-                 تستعرض الأيام عندي حسنها       في زي صاحب نعمة مختال
3-                 اليُمن محبوس على خراجه           في أي أرض حطّ لست أبالي
4-                 أرمي بمشدود الرباط مشيَّعٍ         وأجر في طرق الهوى أذيالي
5-                 هل كان حسن الظن أم جهلا      بما ينهي الليالي عن دوام الحال

طبعًا هذه الأبيات تنويعة على نهاية قصيدة "أزهار النرجس" التي ترسم يوتوبيا كما قلنا ثم ينتهي الأمر بالمتحدث إلى الإخفاق والفشل.
12-                      أيام نحس مستمر نازل      بعد السعود سوادها موصول
هنا تضمين للآية الكريمة التي تقول: "إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في يوم نحس مستمر" الآية 19 من سورة القمر، وهناك حديث عن أنس بن مالك قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيام وسُئل عن يوم الأربعاء؟ قال: يوم نحس، وكيف ذا يا رسول الله؟ قال: أغرق الله فيه فرعون وقومه، وأهلك عادًا وثمود". وهنا نعود مرة أخرى إلى الموت بالمياه، وهو المصير الذي لقيه فرعون مصر، في تحديه لموسى النبي عليه السلام. وهنا يعود الشاعر إلى قصيدة أزهار النرجس ترجمة، أو صياغة جديدة في شعر عربي يحمل عبق التاريخ والتراث.  
Daffodils (2)
1-                 رمت كل نرجسة رأسها           كما قُذِفت كرة في الهواء
2-                 ديونيس باركها فاستجابت        لنوبة رقص مضت كيف شاء
3-                 حمدت لباكوس سلطانه        على الحشد فامتثلوا للنداء
4-                 أذاق السعادة أتباعه         وعرفهم لذة الانتماء
5-                 فما حسنه منظرا لو يدوم      ولم يدرك الحي ظل الفناء

إن العالم الوردي الذي رسمه الشاعر لا يدوم، ومصيره إلى الفناء، وهذا ما حدث مع الفتى الفينيقي، ومع صاحب الغربة والتحصيل، ومع فرعون وقومه الذي أغرقهم الله في البحر، كما أهلك عادًا وثمود.

13-    سيبيل تشكو ما أصاب عظامها      تشكو الذي طمحت إليه سبيل

معروف أن "سيبيل" هذه عرافة أو نبية إغريقية، وهي تعيش في المنطقة الوسطى بين الحياة والموت. في الأرض الخراب تتصدر المشهد ويجدها الأطفال مسجونة في قفص وعندما يسألونها: ماذا تريدين يا سيبيل، تقول: أريد أن أموت. هي إذن لا تستطيع أن تموت، ولا تستطيع أن تحيا أيضًا بالمعنى المعروف. ثم نجد أن جميع الشخصيات في الأرض الخراب بين الحياة والموتى، بين الأمل واليأس. كما يصورها شاعرنا في تبنيه لقصيد "أزهار النرجس".
Daffodils (3)
1-     فجلت بعيني في الراقصين          أقلبها مرة بعد مرة
2-     فلم يبق بيني وبين الجنون       من طرب حادث غير شعرة
3-     وهل ترك الشوق للشعراء     من العقل في مشهد العشق ذرة
4-     ولكنني وقتها لم أكن              أعي ما حوت مقلتي من مسرة

ثم يتحول المشهد مباشرة إلى قصدة نجيب محفوظ مع القتلة الذين رصدوا لـه السكين لمجرد اشتغاله بالتخييل. 

14-        شخ الثمانين الذي رصدوا لـه           السكين هل أفضى لـه التخييل
15-          بتحية لم يستطع من بعدها                رد السلام يمينه المشلول؟

تعرض نجيب محفوظ للقتل في العام 1994؛ فهو الذي رصدوا له السكين بسبب التخييل أو بسبب الروايات التي كتبها، ومن بعدها أُصيب بشلل في يده اليمنى، ولم يستطع رد التحية، وتوقف عن الكتابة،  كأنه يدفع ثمن إرسائه لفن الرواية العربية في مقابل الرواية الغربية، وكأنه كان يدفع ثمن إثرائه للغة العربية، والخروج بها إلى آفاق سردية لم تعرفها من قبل. وعندما سئل القاتل هل قرأت لـه شيئًا قال إنه سمع من شيوخه عن اجترائه على الإسلام فقرر قتله، ولما سئل شيخ كبير عن استحقاق فرج فودة للقتل، قال إنه يستحق القتل، ولكن الذين قاموا بهذا الفعل مارسوا افتئاتًا على السلطة الحاكمة ... ولكنه لم ينف استحقاق فودة للقتل!!. والدكتور السيد ابراهيم يذكرنا بالحادثة هنا لأنه يرى أنها تتسق مع جو القصيدة المفعم بالغدر سواء من قِبل الإنسان أو من قِبل الزمن نفسه. ولا أستبعد أن يقصد شاعرنا أن الذين غرزوا السكين في رقبة نجيب محفوظ أمير الرواية العربية، وكذلك الذين قتلوا فرج فودة، لم يقرأوا "أزهار النرجس"، ولم ينفعلوا بجمال الطبيعة، ولم يدركوا أن الجمال عنصر أصيل في تكوينها، فأزهار النرجس تحتاج إلى من يتأملها كما فعل "وردزورث" وغيره من الشعراء، فما حدث لأمير الرواية العربية حدث للأمير "أدونيس" وحدث للأمير "هياكنتوس"، وحدث للأمير "فليباس" وحدث للوركا، وغيرهم من الذين وضعوا قواعد الوحدة بين الشعوب الإنسانية. يعرف شاعرنا هذا كله، فيعود إلى زرقاء اليمامة، لعلها تخبره بالغيب، ولكنها لا تسعف شاعرنا وهي في سلتها بين الحياة والموت، لا تستطيع أن تخبره عن مصير العاشق:

1-                 أخبرينا من قبل موتك شيئا                   إيه زرقاء نحن أهل اليمامة
2-                 قد عرفناك جارة للعذارى               أخبرينا هل ساورتك الندامة
3-                 صرت في السلة التي أنت فيها           كل هذا الجموح كان على مه
4-                 قد عرفنا الذي يعيش عفيفا            والذي عاش عاشقا ما  أمامه

الانتقال من طعن نجيب محفوظ إلى زرقاء اليمامة انتقال موفق هنا للتدليل على حيرة الشاعر بعد هذه الحادثة البغيضة على كل مصري وكل. ومعروف أن زرقاء اليمامة شخصية عربية قديمة كانت نجدية من أهل اليمامة، يقال إنها كانت ترى الشخص من على مسيرة ثلاثة أيام. ويروى أنه في أحد الحروب استتر العدو بفروع الأشجار وحملوها أمامهم، فرأت زرقاء اليمامة ذلك فأنذرت قومها فلم يصدقوها، فلما وصل الأعداء إلى قومها أبادوهم وهدموا بنيانهم، وقلعوا عيني زرقاء اليمامة. تضرب بها العرب المثل في حدة البصر. وردت القصة في العقد الفريد الجزء الثالث وفي الأغاني في الجزء الثاني، كما وردت في معجم البلدان لياقوت الحموي. المهم أنها ألهمت الكثير من الشعراء في العصر الحديث، منهم أمل دنقل الذي خصص لها  ديوانًا كاملًا أسماه: "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة". تضرب العرب المثل بزرقاء اليمامة فيقال "أبصر من زرقاء" لجودة بصرها ولحدة نظرها، ويقال إن اليمامة اسمها، وبها سميت بلدتها اليمامة، واسم البلدة جَوّ وتقع بلدتها اليمامة في سهل فسيح يسمى جو لأنه فسيح كجو الفضاء، وربما قيل: زرقاء الجو كما قال أبو الطيب المتنبي:

وأَبصر من زرقاء جو، لأنني *** إذا نظرت عيناي ساواهما علمي
ثم ينتقل شاعرنا إلى رمز آخر من رموز الخيبة والإخفاق ليؤكد على أن التعاسة مركوزة في النفس، ونابعة من أخطائنا:
16-                  نعق الغراب تضيق أوقات الرضا     عنها وأيام الصدود تطول

نعيق الغراب نذير خطر قادم – معروف عند العرب – ومعروف عند غيرهم من الأمم، وربما يستدعي الغراب قول الله تعالى في القرآن الكريم: "فبعثنا لـه غرابًا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين" (المائدة 31). كما ورد في سفر التكوين (8: 2- 6) حيث أرسله نوح عندما غرقت الأرض في الطوفان ليأتيه بالخبر. "وحدث من بعد أربعين يومًا أن نوحًا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها وأرسل الغراب فخرج مترددًا حتى نشفت المياه عن الأرض ثم أرض الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض فلم تجد الحمامة مقرًا لرجلها فرجعت إليه إلى الفلك لأن مياهها كانت على وجه كل الأرض فمد يده وأخذها وأدخلها عنده إلى الفلك فأتت إليه الحمامة عند المساء وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها فعلم نوح أن المياه قد قلت عن الأرض فلبث أيضًا سبعة أيام أخر وأرسل الحمامة فلم ترجع إليه أيضًا".  يضشأ  
وهنا نجد أن الغراب لم يعد؛  لأنه راح يتغذى على الجيف، والمشهد كلـه في هذا البيت يذكرنا بالموت بالمياه،  وزهرة الجيف النتنة، والجثة المدفونة في البيت في آخر القصيدة والتي ينبشها الكلب لكي يعثر عليها، وكذلك جثة "ستتسن" في الأرض الخراب.

1-                   أقبل فإني قد نصبت "جلا" "جلا"           وادخل عباءتي التي تهب العلا
2-                   واخرج كما شاء الهوى لك والمنى               حكما على كل الرقاب موكلا
3-                   من عهد مينا – إن جهلت – أنا الذي           كتبت يدي التاريخ والمستقبلا

هذه الأبيات تذكرنا بباختين ونظريته الكرنفالية، والكرنفال احتفال يقيمه الشعب، ينقد به الثقافة المستقرة، يقوم على السخرية والتشكيك في السائد، وقلب المعايير، فيصبح الملك خادمًا والخادم ملكًا، مما يسبب الضحك والتقويض أيضًا، نجد ذلك أحيانًا على خشبة المسرح، حين تتم السخرية من أمير أو ملك أو رئيس أو صاحب سلطة، أو ممسك بزمام أمور. يعمل الكرنفال على تقريب البعيد المتعالي، وإنزاله من السماء إلى الأرض، والسخرية من مركزه، وجعله مادة للضحك بعد أن يُنزل عنه الرهبة، ويخلع عليه الألفة من خلال حوارية عشوائية ذكرها باختين في كتابه "الخيال الروائي". والحوارية معناها تعدد الأصوات، وهذا أميز ما يميز قصيدة الدكتور السيد ابراهيم، فهي عبارة عن حوار بين شخصيات: شعراء وكتاب وصعاليك وأمراء وأشباه أمراء وشخصيات مقهورة، ويمتد الحوار ليشمل الكاتب نفسه مع شخصياته وإنتاجه الأدبي. والكرنفال يساوي الثقافة الشعبية، وهو يسخر من ذوي السلطان، ويجعلهم مادة للضحك. في الاحتفال الكرنفالي يشعر المقهورون بالرضا النفسي؛ لأن الهيبة تسقط عن قاهريهم الذين يتحولون إلى العادية المألوفة، يخف الضغط النفسي عن المقهورين.
17-                     ما قلته يا شاعر "الأرض الخرا         ب" اليوم قد أضحى لـه تأويل
18-                     الأرض أرض النيل في أبداننا          أبدًا وفي الشريان يجري النيل
19-                     درجت عليها نفس ذي مقروحةطمحت لأمر ما إليه سبيل
20-                     أبريل أخرجها إلى هذا الورى           أقسى الشهور جميعها أبريل
الأرض الخراب بالنسبة لنا لا تمثل شيئًا ، ولكن تجربة أوروبا مختلفة، فقد أصبحت أوروبا أرضًا خرابًا بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد أن قُتِل أكثر من عشرة ملايين وجرح أكثر من 27 مليونًا أصبحوا معاقين يظهرون في شوارع أوروبا ويؤرقونها ليل نهار، أما بالنسبة لإبريل فلا يمثل خطورة عندنا إلا إذا كان شاعرنا يتحدث عن سقوط بغداد في التاسع من أبريل عام 2003، ولكن في الغرب حدث في أبريل غرق التايتانك واغتيال لنكلن والحرب الأهلية الأمريكية والمجازر الأرمنية في أبريل من العام 1915، أو ما يُسمى بالإبادة الجماعية للأرمن، وتُعرف بالمحرقة الأرمنية، وهو ذبح متعمد للأرمن من قِبل حكومة تركيا الفتاة في الدولة العثمانية في خلال الحرب العالمية الأولى، وقاد ها اسماعيل أنور باشا (1881 – 1922) وكان وزيرًا للحربية. قامت المحرقة الأرمنية على القتل المتعمد والمنهجي للسكان الأرمن من قِبل حكومة تركيا الفتاة في الدولة العثمانية. وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل والترحيل القسري والتي كانت عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مُصَممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين. ويُقدر عدد  الضحايا الأرمن بين مليون  إلى مليون ونصف شخص معظمهم م المواطنين داخل الدولة العثمانية. تاريخ الإبادة يبدأ في الرابع والعشرين من أبريل عام 1915 وهو اليوم الذي اعتقلت فيه السلطات العثمانية وقامت بترحيل بين 235 إلى 270 من المثقفين وقادة المجتمع الأرمني من القسطنطينية إلى أنقرة وقتل معظمهم في نهاية المطاف. ونُفذت الإبادة الجماعية أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، ونفذت على مرحلتين: القتل الجماعي للذكور ذوي المقدرة الجسدية من خلال المجزرة وتعريض المجندين بالجيش إلى السُخرة، ويليها ترحيل النساء والأطفال والمسنين والعجزة في مسيرات الموت المؤدية إلى الصحراء السورية. وبعد أن تم ترحيلهم من قبل مرافقين عسكريين، تم حرمان المرَحلين من الطعام والماء، كما تعرضواللسرقة الدورية والاغتصاب والمجازر؛ وفي خلال هذه الفترة تم استهداف ومهاجمة وقتل مجموعات عرقية مسيحية أخرى منها السريان والكلدان والآشوريين واليونانيين البنطيين وغيرهم، ويرى العديد من الباحثين أن هذه الأحداث، حدثًا واحدًا وجزءاً من نفس سياسة الإبادة التي انتهجتها حكومة تركيا الفتاة ضد طوائف مسيحية متنوعة.
1-     "اليوم ننجيك ببدنك             لتكون لمن خلفك آية"
2-     يا زهرة بنت الصبح ولا         تدرك أنك صرت نفاية

يفاجئنا الشاعر ببيتين يستدعيان رمز الكبرياء ومصير المتكبرين: فرعون الذي أغرقه الله وقومه في اليم في أثناء معركته مع موسى عليه السلام، وزهرة بنت الصبح وهو الشيطان، وقد استخدم الآية الكريمة وقسمها إلى شطرين لتصبح بيتًا من الشعر. وفي البيت الثاني يذكر زهرة بنت الصبح وهو الشيطان كما ورد في الكتاب المقدس. يُذكر سقوط لوسيفر "الشيطان أو إبليس" في سفر إشعياء 14: 12 - 18 وهو نفس ما أشار إليه المسيح في إنجيل لوقا 10: 18 حين يقول: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء". فإشعياء يصف سقوط من يدعى "لوسيفر" وهو اسم يعني "زهرة الصباح، أو كوكب النهار، أو النجم اللامع". ونعلم من كلمات المسيح في لوقا 10 أن الشيطان سقط من السماء. ونجد سبب سقوطه في الآيات 13 – 14 "وأنت قلت في قلبك: اصعد إلى السماوات. أرفع كرسييّ فوق كواكب الله وأجلس على جبل الاجتماع في أقاصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثلَ العليِّ". كانت هذه رغبة الشيطان – أن يصير هو الله – وهي نفس التجربة التي استخدمها في جنة عدن لكي يجعل حواء تعصي الله: "تكونان كالله"(9)
المهم أن الشاعر يذكرنا بالمتكبرين في العالم، فرعون والشيطان. وأن الغريب أن فرعون نجاه الله ببدنه، والشيطان أسقطه إلى الأرض، وأصبح مصيرهما مثل مصير "سيبيل التي يذكرها في البيت التالي من اللحن الأساسي، الوجود العدم أو  الوجود الذي يشبه العدم، أو التردد بين الحياة والموت.

21-          الموت يكمن في المياه، الموت     هذا الموت تطلبه – وعزّ- سيبيل(1)
Daffodils (4)
1-                 وكم مرة حين تدعو الأريكة           مؤنس وحدتها المتجول
2-                 فاجلس في جانب خاليا             من الفكر أو غارقا في التأمل
3-                 أراهن يومضن في خاطري          كما كن يومضن في عام أول
4-                 تمر الليالي وتُهدى الورود            وتذبل لكنها ليس تذبل
5-                 أراها بعين ثوت في الضمير         حيالي كما هي لم تتبدل
6-                 فتلك السعادة في وحدتي            ينابيع تشفى الفؤاد إذا اعتل
7-                 وتملأه بهجة كلما                       تعذر نيل المنى أو تأجل
8-                 نديمي هو النرجس الغض،           لي تقام احتفالاته حيث أنزل
9-                 يشاركه الرقص في حضرتي         فؤادي وإشراقه والتهلل

ثم نصل إلى تسعة أبيات التنويع على اللحن الأساسي، وهي تكملة لقصيد "أزهار النرجس" وترجمة للمقطع الذي يقول فيه وردزورث:
For oft, when on my couch I lie
In vacant or in pensive mood,
They flash upon that inward eye
Which is the bliss of solitude;
And then my heart with pleasure fills,
And dances with the daffodils.

لا نريد أن ندرس ترجمة هذه الأبيات، فيمكن لباحث آخر أن يتصدى لمنهج الدكتور السيد ابراهيم في الترجمة، وهو موضوع ثري يمكن للباحث أن يعالجه في كتب الدكتور السيد ابراهيم التي يستعين فيها بالنصوص الأجنبية التي يقوم بترجمتها. نريد أن نضع أيدينا على التضافر العجيب في القصيدة كلها، بين اللحن الأساسي والتنويعات الفرعية الثرة، وأيضًا على قدرة الشاعر على أن يجعل هذا التنوع الثري يصب في مصلحة التيمة الأساسية للقصيدة، وهي الغربة التي نستنبطها من مفردات القصيدة وغربة شخصياتها، وذلك التجاوب الحميم بين هذه الأبيات والمقطع  الأخير من قصيدة وردزورث. فهو يذكر "العين التي ثوت في الضمير" والتي هي the inward eye  عند "وردزورث"،  فهذه العين  التي ثوت في الضمير كما يسميها الدكتور السيد ابراهيم هي عين الشاعر التي تختلف عن أي عين، يرى بها ما لا يراه الآخرون، ويتصور الأشياء كما هي في الواقع، وهذا الخيال الممتاز الذي يتميز به الشاعر هو الذي يجعله يكتب الشعر حتى الأشياء التي لم يرها بعينيه المجردة. فهل استطاع شاعرنا معارضة قصيدة "أزهار النرجس" كما كان البارودي وشوقي وحافظ يعارضون المتنبي وأبي تمام والبحتري وابن زيدون.(10)
25-                  الليلك العذري كان هنا يمـــــــــــــد            يد البراءة ينثني ويمــيل
26-                  بيد النسيم يضمه ويرده                 لا منهما شاكِ ولا مملول
27-                  طلع الصباح فلم أجد أثرًا لـه            غير ادعاء ما عليه دليل
28-                   اما الخزامى فالرياح تنازعت             دمه دبور بينها وقبول
29-                   من بين ما كانت تضم حديقتي          فيها من الأزهار وهي شكول
30-                   أنبت فيها كل ما خطر الخيال به        وما في النفس كان يجول
31-                   الريح تأتي بالذي تأتي به أبدًا           وسيف عدائها مسلول
32-                      غرس العدو نباته وشباته              قربًا وأفرغ نبته المدخول

في هذه الأبيات ينعي الليلك والخزامى والأزهار الجميلة في حديقته والتي قضى عليها ما جاءت به الرياح من نبات مدخول ومنها "زهرة الجيف" التي أتت بها الرياح إلى الحديقة فقضت على الأزهار جميعًا.

1-                 ألزمتني حمل دنيا لا خلاص بها        وأبت منك بسوء الكيل والحشف
2-                 أكلت كل زهوري واستجبت ثري     حديقتي غيلة يا زهرة الجيف(1)

وزهرة الجيف هذه زهرة عملاقة نادرة تنمو في جزيرة سومطرة الإندونيسية حيث الغابات الاستوائية، وتنبعث منها رائحة نتنة كرائحة اللحم المتعفن. فشاعرنا يعيش الآن بلا زهور لأن زهرة الجيف أكلت جميع زهوره، هذا قبل أن ينتقل إلى الأبيات الثلاثة الأخيرة في القصيدة كلها وهي من اللحن الأساسي:

33-          الكلب ينبش كاشفًا عن جثة           ألقى روائحها إليه "هيليل"(2)
34-        أقبل تعال استنشق المسك الذي         اغلى النفائس دونه مبذول
35-        تعسًا أما لك سائغ إلا الذي           ترمي به الأمعاء غالك غول(3)
وهي الجثة المدفونة في البيت واكتشفها الكلب بحاسة الشم التي فيه، وهذا الكلب يحب أن يستنشق هذه الرائحة العفنة، ولا يحب أن يستنشق الروائح الذكية، وهذه إشارة إلى الأبيات الأخيرة في الجزء الأول من الأرض الخراب "دفن الموتى"، يقول إليوت:
There I saw one I knew, and stopped him, crying: “Stetson!
“You who were with me in the ships at Mylae!
“That corpse you planted last year in your garden,
“Has it begun to sprout? Will it bloom this year?
“Or has the sudden frost disturbed its bed?
“Oh keep the Dog far hence, that’s friend to men,
“Or with his nails he’ll dig it up again!
“You! hypocrite lecteur!—monsemblable,—mon frère!”
هناك رأيت واحدًا عرفته، فاستوقفته صائحًا: ستتسُن!
"يا من كنت معي على السفائن في مايلي!
تلك الجثة التي زرعتها السنة الماضية في حديقتك،
"هل بدأت تورق؟ هل ستزهر هذه السنة؟
"أم أن الصقيع المباغت قد أقضَّ مضجعها؟
"أبعد الكلب عنها، فهو صديق للبشر،
"وإلا فسيحفر بأظافره ويستخرجها ثانية!
"أنت، أيها القارئ المرائي! – يا شبيهي، - يا أخي!"(11)

إن الراوي يستوقف واحدًا يعرفه، فنتذكر البحار العجوز في قصيدة كولردج وكيف استوقف أحد المارة ليقص عليه روايته، طمعًا في التخلص من الذنوب، إنه الجلوس على كرسي الاعتراف، رغبة في الخلاص من الخطئية. وهكذا يقيم السيد ابراهيم حوارًا بين القصائد والأعمال الفنية، في مشهد يشبه يوم الحساب، فكلِ يريد أن يروي حكايته، وكلٌ يريد أن يتخلص من ذنبه، والسرد هو المنقذ، بدونه لا حياة ولا خلاص، شهرزاد تنقذ حياتها من خلاله، والبحار العجوز ينقذ روحه من العذاب من خلاله، وبه ينجو الرواي في الأرض الخراب، وفي شعر السيد ابراهيم.  وهكذا يتميز شعر السيد ابراهيم بالحوارية التي يجيدها الشاعر، ونراها تطورًا في الشعر العربي الذي يكتبه الملتزمون بالعمود، نستطيع أن نقول إنه لا يقل خطرًا عن الانتقالات التي حققتها القصيدة العربية عبر تاريخها الطويل، من التقليد إلى التجديد والحداثة، مثلما انتقلت إلى التفعيلة ثم إلى القصيدة النثرية.(12) وأشعر أن القصيدة مفتوحة على التعديل والزيادة، لتصبح ديوانًا كاملًا يضاف إلى دوواينه الأربعة، إضافة مهمة لمحصول الشعر العربي في القرن الواحد والعشرين.

خلاصة
نخلص من هذا البحث إلى أن الدكتور السيد ابراهيم يكتب القصيدة العمودية من منطلق حداثي؛ فهو المتخصص في الأدب العربي القديم، والمطلع على تراث اللغة العربية اطلاع الأكاديمي المدقق، وهو المطلع أيضًا على الثقافة الغربية من خلال قدرته على القراءة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ومن خلال تلك الخصيصة التي يتميز بها على كثيرون، وهي الشغف بالمعرفة، والتأمل الطويل في النص، فهو لا يكتب إلا بعد طول نظر في النصوص وما يحيط بها من سياقات. فالقصيدة التي بين أيدينا تدل على ثقافته الواسعة، وسعة اطلاعه، وطول تأمله، والقارئ لكتبه النقدية يؤمن بقدرته على فهم النص الأجنبي وترجمته وتمثله. والقارئ المتأمللهذه القصيدة ولسائر شعر الدكتور السيد ابراهيم يدرك أن شاعرنا لـه سيطرة على اللغة العربية، وقدرة على انتقاء الألفاظ الدالة الرقيقة في الوقت نفسه، ويدرك أيضًا أن الحفاظ على عمود الشعر في وقت تمر به اللغة العربية عامة وفن الشعر خاصة بأزمة حقيقية، كالقابض على الجمر. فنحن نرى اليوم كيف تتنكر كل مدرسة لأختها، وكيف يحتدم الصراع بين السابق واللاحق، فيرفض شعراء التفعيلة شعر النثر رفضًا، ويرفض شعراء النثر القديم كلـه؛ بدءًا من الشعر العمودي إلى شعر التفعيلة.  وهؤلاء لا يدركون أن الحياة الإنسانية رحبة، وأن الذوق الإنساني يتسع للجميع، المهم هو الصدق الفني وليس الصدق الاجتماعي أو الطبقي. فخير الشعر أكذبه كما يقول العرب. وقد قدم شاعرنا في هذه القصيدة لوحة ثرية بالأصوات والإيقاعات المتعددة بعيدًا عن التنافر والتناقض، وبعيدًا عن الضعف في الصياغة والقافية المفروضة. والتزم في الوقت نفسه بطرائق الحداثة و ما بعدها، وذلك في تبني الغموض الجمالي الذي لا يتحول إلى طمس للمعنى، واستخدام الإحالات الثرية الموحية، وفي استخدام التراث العربي والعالمي استخدامًا جديدًا لم يسبقه إليه أحد. لقد نجح الشاعر هنا بإقامة حوار ثري بين الشعراء القدماء والمحدثين ومن جهة وبينه وبين أولئك وهؤلاء من جهة أخرى.
الهوامش والمراجع




(1)Sibyl عرافة أبولو في الثقافات القديمة ثم صارت اسما يُطلق على الكاهنات اللاتي يتكهن بالغيب، ولها قصة مع أبولو: عرض عليها أن يهبها الخلود الدائم على أن تبادله العشق فأبت، ثم قبضت قبضة من الرمال وطلبت أن يكون عمرها كعدد حبات الرمل في كفها، فعاشت ألف عام، ولكنها نسيت أن تطلب الشباب الدائم، فكلما مضى بها العمر وهنت وضعفت وانكمش حجمها حتى صارت من الصغر بحيث وضعوها قارورة أو فقص كما جاء في ترجمة إليوت للكلمة أو سلة كما جاء في كلامي. وكلما مر بها الصبية فسألوها: ما تريدين ما سيبيل قالت: أريد أن أموت.
(1)Corpse flower
(2)مأخوذة من الكلمة العبرية "هيليل" وكانت تُطلق على كوكب الزهرة Venus  وهي تُطلق كذلك على الشيطان.
(3)الإشارة إلى قول بودلير من مقطوعة بعنوان Le Chien et Le Falcon مخاطبًا الكلب الاليف: تعالي استنشق عطرًا ذكيًا اشتريته لك من أكبر بائعي العطور في المدينة .. ثم قولـه بعد نفور الكلب وصدوده عن قارورة العطر: إنك تشبه الجمهور، ما كان يجب أن تُقدم إليه العطور الطيبة بل مخلفات البطون.




(1)تحدث عن تقنية مجمع البحور الدكتور محمد عوض محمد في مجلة الرسالة وعاب على شوقي انتقاله من بحر إلى بحر في الموضوع الواحد، وقد ثبت أن تقنية مجمع البحور هذه لا تنجح ولم تثبت جدواها مثل شعر التفعيلة أو الشعر الحر أو حتى قصيد النثر.  انظر: مجلة الرسالة العدد الخامس، للعام 1933.
(2)انظر كتاب "سبعة أنماط من الغموض" لويليام إمبسون، ترجمة صبري محمد حسن ومراجعة وتقديم ماهر شفيق فريد، رقم 242 عن المركز القومي للترجمة، 2000.  ورأى الدكتور ماهر شفيق فريد استبدال لفظة الإبهام بالغموض وساق بعض المبررات في مقدمته للترجمة.
(3)الموسوعة العربية الميسرة، شركة أبناء الشريف الأنصاري للطباعة والنشر والتوزيع (بيروت ط 3، 2009)،  ص 249.
(4)انظر ترجمة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة لقصيدة الأرض الخراب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت الطبعة الثالثة 1994.
(5)انظر: ترجمة الدكتور نبيل راغب: أرض الضياع، المركز القومي للترجمة 2006.
(6)انظر ترجمة الدكتور لويس عوض: الأرض الخراب وقصائد أخرى، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1990.
(7)دوروثيوردزورث، جريدة جراسمير، الخميس 15 أبريل 1802.
(8)انظر مقال الدكتور عبد الله الطيب المعنون بـ "الفتنة بإليوت خطر على الأدب العري"، مجلة الدوحة العام 1982.
(9)سفر التكوين، 3: 5.
(10)انظر: عز الدين اسماعيل، الشعر العرب المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية (دار الفكر العربي 1994، ص 43).
(11)انظر ترجمة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة لقصيدة الأرض الخراب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت الطبعة الثالثة 1994.
(12)انظر: سلمى الخضراء الجيوسي، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث، ترجمة الدكتور عبد الواحد لؤلؤة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2007.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق