الأربعاء، 12 يونيو 2019

الصوت والأصداء في قصيدة The Hyacinth Girl ( دراسة كاملة للدكتور معتز سلامة)


الصوت والأصداء في قصيدة The Hyacinth Girl
للدكتور السيد إبراهيم
د/ معتز سلامة

قبل الدخول في تحليل قصيدة The Hyacinth Girl للدكتور السيد إبراهيم هناك مفهومان أساسيان يجب توضيحهما لكي نستطيع استيعاب هذه القصيدة، أولاهما، مفهوم الحراك الثقافي، وهو مفهوم وضعه
الناقد الأمريكي "ستيفن جرينبلات، عام 2010" لفهم أنماط المعنى التي تخلقها المجتمعات البشرية. فهو يعتقد أن الثقافات، حتى الثقافات التقليدية، نادراً ما تكون مستقرة أو ثابتة، وأنها في تحرك مستمر منذ القدم، وحركيتها لم تظهر في القرن الحادي والعشرين فقط، بل هي عنصر أساسي في حياة الإنسان في كل الفترات تقريبًا. ومع ذلك، تميل المؤسسات الأكاديمية الثقافية إلى العمل على افتراض معاكس تمامًا، وهو الاحتفاء بأن الثقافات متجذرة أو كاملة أو صحيحة.([1])
والمفهوم الآخر، هو مفهوم عالمية الأدب الذي وضعه "جوته Goethe" في عام 1826م، في نهاية حياته الطويلة، إذ يصرح أنه لا يوجد فن وطني، ولا علم وطني. فكل منهما ينتمي، مثل كل شيء جيد، إلى العالم كله، ولا يمكن تعزيزهما إلا من خلال الفكر العام، والتفاعل الحر بين جميع الأحياء في الوقت ذاته. فجوته يحلم بالتفاعل العام الحر بين هؤلاء الذين يعيشون في الوقت ذاته، وتحرير عبقرية الإنسان من ضيق الأفق الوحشي للمجتمعات، والثقافات، والدول القومية المتنافسة. فالأدب بالنسبة له عملية استبدال مستمرة عبر حدود الدول والثقافات.([2])
والمتأمل في قصيدة الدكتور السيد إبراهيم سيجدها مثالاً جيدًا لهذين المفهومين، فالقصيدة تعدُّ علامة فارقة في الأدب الحديث. فهي تحفل بالعديد من الأصوات، وسط تعدد لساني متمايز ومثير ومعقد في آن. فهي تنفتح على إحالات نصية لا حصر لها، وتستند إلى مرجعيات ثقافية متعددة: دينية، وأسطورية، وأدبية. فالقصيدة ثمرة لتفاعل عدة تأثيرات واردة من الثقافة العربية والثقافة الغربية في عقل الشاعر، ونتيجة أدب لا سبيل إلى فهمه الكامل أو تذوقه الكامل إلا إذا كان القارئ ملمًا بهاتين الثقافتين وآدابهما إلمامًا كافيًّا. فالشاعر استوحي من الثقافتين العربية والغربية مجموعة من المثيولوجيات والنصوص الدينية والأدبية المختلفة ووظفها داخل قصيدته بشكل فني يعبر عن مقصده. فالقصيدة بها إشارات وتضمينات من القرآن الكريم ومن الأساطير الإغريقية والرومانية كأدونيس وفينوس وديونيس، والعربية كزرقاء اليمامة وقارئة الفنجان، وأصداء لأصوات شعرية عدة ككعب بن زهير وذي الرمة وت. س. إليوت وبودلير وشكسبير ووردزورث، ما يعني أن هذه القصيدة ملتقى ثقافات شرقية وغربية، قديمة وحديثة، إسلامية ووثنية. وهذه الثقافات رحلت من بيئاتها حتى استقرت في ذهن الشاعر الذي أخرجها لنا في صورة نص شعري يعبر عن أيديولوجية صاحبه، ومصبوغ بتجربته الذاتية.
وهذا يعني أن الموروث الثقافي بشكل عام يشكل أحد مفاتيح رؤية الدكتور السيد إبراهيم النقدية والشعرية. فهو ينظر إلى التراث بوصفه تراثًا شاملاً مؤثرًا في الحاضر، بمعنى أنه "إذا كان الماضي يؤثر في الحاضر فإن الحاضر يستطيع أن يؤثر في الماضي بتوضيحه وإعادته إلى الحياة. وتلك هي غاية النقد ومهمته. فليست مهمة الناقد هي تدوين تاريخ الأدب أو إلقاء الأضواء على مواطن الجمال والقبح فحسب، بل عليه أيضًا اكتشاف تراث أدبي يمتد عبر القرون والأجيال لتمييز الصلة المستمرة النامية بين حاضره وماضيه. وأعتقد أن كل شاعر معاصر هو حلقة من سلسلة طويلة من الآباء والأجداد في عالم الأدب والتجربة الأدبية."([3]) وقد تخيّر السيد إبراهيم أسلافه الأدباء الذين أثروا في تجربته الإبداعية فوقف عند امرئ القيس وزهير بن أبي سلمى وكعب بن زهير وذي الرمة وغيرهم. وانعكست هذه النظرة إلى الموروث في شعره، وخاصة قصيدته التي بين أيدينا، التي حفلت بتناصات([4]) مباشرة وغير مباشرة مع نصوص تراثية عدة سنكشف عنها فيما بعد. فكأن التجربة الشعرية كلها على اختلاف عصورها معين واحد وجوهر واحد، والشاعر المبدع عليه أن ينهل من هذا المعين ما يثري تجربته بشرط ألا يقع في هذا المعين فتغرق شخصيته، وتنمحي موهبته، بل عليه أن يأخذ منه ما يعزز تجربته هو، فيصبح له صوت شعري مميز ذو قدرة فائقة على إثراء الأدب، وحفر اسم صاحبه وسط أصحاب الأصوات الشعرية الأخرى المميزة، فعظمة الشاعر تتحدد بمدى استيعابه للتراث الأدبي ومدى مغايرته ومجاوزته لما خلفه السلف من إبداعات وإنتاجات في آن واحد.
إذن التراث عند السيد إبراهيم مسألة أعمق من عملية المحاكاة، فهو يتضمن، بالدرجة الأولى، "الحس التاريخي، الذي يمكننا القول أنه لا محيص عنه لكل من يريد أن يبقى شاعرًا مجيدًا؛ والحس التاريخي يتضمن إدراكًا  ليس لمضي الماضي وحسب، بل لحضوره كذلك؛ فالحس التاريخي يرغم المرء أن يكتب وهو لا يحس بجيل بأكمله يسكن في ذهنه وحسب،"([5]) بل أن يحس أن أدب أمته برمته منذ العصر الجاهلي، ومعه أدب الآخر الغربي برمته يقفان معًا ويشكلان نسقًا في آن معًا.
وإذا ما ولجنا إلى  القصيدة سنجد أن الدكتور السيد إبراهيم يسعى منذ البداية إلى كسر أفق توقع المتلقي العربي لقصيدته، هذا المتلقي الذي "ينتظر عند قراءة القصيدة أن يتطابق ما يقرأه مع ما يعرفه على مستوى النوع الشعري الذي قرأه وتكونت خبرته وذائقته على أساسه"،([6]) ولكن الدكتور السيد إبراهيم يصدمه منذ البداية بالشكل العام للقصيدة، فالقصيدة معنونة بعنوان أجنبي مكتوب بالإنجليزية وغير معرب أو مترجم، ثم تزداد شدة عجب القارئ عندما يجد أن القصيدة مقسمة إلى سبع مقاطع شعرية، يتكون كل مقطع من عدة أبيات شعرية أقلها ستة أبياتٍ، وأكثرها اثنين وعشرين بيتًا، وكل مقطوعة منها ذات قافية موحدة، وكأن القصيدة مقسمة إلى سونتيات شعرية كما هو موجود في الشعر الغربي، يضاف إلى ذلك أن ستًا من هذه المقطوعات ذات عنوان فرعي أجنبي مكتوب بالإنجليزية، بينما مقطوعة واحدة فقط- وهو المقطوعة الأول- بدون عنوان فرعي، وكأن الشاعر اكتفى بعنوان القصيدة لكي يكون مدخلا لهذا المقطوعة. ومن الملاحظ أن العنوان الرئيس والعناوين الفرعية مقتبسة من قصائد غربية ثلاث: قصيدة الأرض الخراب لـ"ت. س. إليوت"، وقصيدة "أدونيس وفينوس" لـ"وليم شكسبير"، وقصيدة "النرجس البري" لـ"وليام وردزورث"، والشاعر يضمن قصيدته بهذه العناوين المكتوبة بلغتها الأصلية لينقلها بكل دلالاتها وإيحاءاتها الموجودة في نصوصها الأصلية.
إن هذا الشكل يمثل نوعًا من كسر أفق توقع المتلقي العربي الذي تشكل أفق توقعه من قراءات شعرية عربية قديمة وحديثة، ومن ثم يتفاجأ هذا المتلقي بالشكل الجديد للقصيدة مما يحدث نوعًا من الخلخلة لأفق توقعه يجعله يبحث عن أدوات وآليات جديدة تساعده على استيعاب هذا النمط الجديد من الشعر.
ويحيلنا تقسيم الشاعر لقصيدته إلى مقاطع شعرية ووضع عنوان فرعي مختلف لكل مقطع إلى أن هذه الطريقة في النظم لا تختلف في شيء عما يسمونه في التحليل النفسي "تداعي المعاني اللامترابط". إذ يسترسل المريض النفسي في سرد أفكاره أمام الطبيب المحلل بلا قيد ولا نظام، وكلما ألقى إليه الطبيب المحلل بكلمة ذكر أول فكرة تجول بباله. ومن هذه الذكريات المفككة يفتضح عقله وتخرج إلى النور مكنوناته ومكبوتاته. وظهور الأساليب القائمة على التتابع العاطفي وعلى التداعي اللامترابط نتيجة من نتائج الثورة على العقل التي عمت العالم في القرن العشرين بعد أن ثبت لكثير من المثقفين في هذه الآونة إفلاس العالم وعجزه عن تحقيق التقدم المنشود للإنسانية في القرن التاسع عشر تحت حكم الرأسمالية التي وجهت العلم لخدمة أغراضها المادية لا لتنظيم المجتمع.([7])
وليس معنى كلامي أنه لا توجد وحدة تجمع أجزاء القصيدة بل كل ما في الأمر أن الوحدة المتوفرة في القصيدة أشبه بالوحدة المتوفرة في الفن السينمائي، وبالتالي تشبه القصيدة الفيلم السينمائي، والشاعر يشبه المخرج، الذي يعتمد في إخراجه السينمائي على "الانتقال المفاجئ السريع من منظر إلى آخر دون اعتبار لصلات الزمان أو المكان أو التسلسل المنطقي في عملية الانتقال هذه، والاعتماد التام على وحدة الفيلم في مجموعه وعلى التتابع العاطفي وحده في أجزاء الفيلم المختلفة كل على انفراد."([8])
وإذا ما انطلقنا إلى تحليل القصيدة من الداخل سنجد أن لعبة التناصات وشيوع الإحالات وترديد الأصداء ظاهرا منذ مطلع القصيدة، التي يقول فيها الشاعر:
في غربتي عنها ظمئت لمائها ... وهفا الفؤاد فصل فيه صليل.
وكأن من آثارها أبناءها ... قد خط حد كفافها الإزميل.
هل كنت لهفى في انتظارك أوبتي ... أم قد عرا عهد الهوى التبديل.
أنت أهديتني زهور الخزامى ... قبل عام مضى فيا لك عاما!
لم يكن لي في العاشقين انتساب ... صرت أدعى فيهم فتاة الخزامى
يوم عدنا من الحدائق كنا ... قد نسينا أمر الزمان تماما
انقضى الوقت ما شعرنا بأنا .... لم نرمِ أو لسنا نردُّ السلاما.
ففي هذه المقطوعة نجد صدى صوت ت. س. إليوت يتردد بقوة إذ يتناص الشاعر بشكل مباشر مع قصيدته "الأرض الخراب"، التي كتبها عام 1922، والتي يقول فيها:
منذ عام، كان زهر الياسنت أول ما أعطيتني،
فسموني فتاة الياسنت"
ولكن حين عدنا متأخرين من حديقة الياسنت،
ذراعاك ممتلئتان وشعرك مبتل،
عجزت عن الكلام، وكلّت عيناي،
فلم أكن بالحية ولا الميتة، ولم أعرف شيئاً،
وأنا أتفرس في قلب الضياء، في الصمت.
عميق وفارغ هو البحر.

وفي هذه القصيدة يعبر إليوت عن خيبة أمل جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى وتَقزٌزه، وتصور عالماً مثقّلاً بالمخاوف والذّعر والشهوات العقيمة، عالماً ينتظر إشارة ما تؤذن بالخلاص أو تعدُ به. وإذا كانت هذه هي قضية إليوت في هذه القصيدة فإن شاعرنا يتبنى قضية أخرى، وهي قضية الاغتراب عن الوطن، ومشاعر المغتربين نحو وطنهم، وما حدث للوطن من هجرة أبنائه، فهو يرفض بشكل صريح النتائج التي ترتبت على السلبيات الكامنة في جوهر الاغتراب عن الوطن والسفر إلى الخارج للبحث عن دخل مناسب يرفع به المغترب مستوى معيشته، هذه الظاهرة التي انفجرت في مصر منذ نهاية السبعينات، في مرحلة ما بعد النفط، وذلك من خلال وجهة نظر ناقدة بأسلوب حاد ومكثف. فهو يرى أنه بالرغم من الواقع المذري التي تمر به البلاد التي طردت شبابها فإن الأمل في العودة إلى الوطن والتمسك بقيمه، فهو- أي الوطن- الذي يكتب التاريخ والمستقبل، إذ يقول:
واخرج  كما شاء الهوى لك والمنى ... حكمًا على كل الرقاب موكلا.
من عهد مينا- إن جهلت- أنا الذي ... كتبت يدي التاريخ والمستقبلا.
لذا بدأ الشاعر قصيدته بالحديث عن اشتياق الشاعر في غربته للوطن الذي ظمأ لمائه، وهفا الفؤاد له، ويتساءل هل كان الوطن متلهف لرؤيته كما كان هو متلهف له في غربته، أم أن هواه تبدل ولم يعد كما كان، ثم ينقل لنا الشاعر في هذا المقطع مشهد غزلي بين الشاعر ومحبوبته، التي ترمز للوطن، فالمرأة هنا هي المعادل الموضوعي للوطن،([9]) فكل الحديث عنها داخل القصيدة يؤكد أن صورة المرأة في ذهن الشاعر هي الوطن، ومن خلال هذا المشهد يوضح الشاعر الآثار النفسية التي تركها البعد فيه، إذ يقول:
جمد القلب والمشاعر غاضت ... ولساني عن التكلم صاما
أيها البحر جف ماؤك إلا ... عبرات الغريب إثر الندامى.
ونلاحظ في المقطوعة الأولى من القصيدة حضور مكثف لمفردات الغربة وما يدل عليها مثل: "غربتي، الغروب، غاب، غامت، الغريب"، وكل هذا يؤكد أن فكرة الغربة مسيطرة على ذهن الشاعر مما جعلها تتكرر بمفردات ومشتقات عدة داخل أبيات القصيدة.
وإذا ما انتقلنا إلى المقطوعة الثانية في القصيدة، التي عنونها الشاعر بـ"فينوس وأدونيس"، سنجد أن صدى صوت شكسبير يتردد بقوة فيها، فقد كانت أول قصيدة مطولة كتبها شكسبير كانت تحمل العنوان ذاته، وهي قصيدة تُعبر عن ملحمة حبٍ، ذات بعد أخلاقي، تم صياغتها على النمط الأسطوري، للشاعر العظيم " أوفيد"، و"فينوس" فيها ليست فقط، إلهة الجمال والحب، بل رمز العواطف الشهوانية، ورمز للحب الأبدي الذي يهزم الزمن والموت. فنحن نرى منذ بداية القصيدة، سعي "فينوس" الدءوب، لإيقاع "أدونيس" في حبائلها، ونرى على الجانب الآخر، الموقف المتصلب، الرافض لأدونيس، وتمسكه بمبادئ العفة والطهر، ومخالفته لها في مفهوم الحب، وأنه ليس مجرد شهوة تُطفأ، ويقول أنه لا يكره الحب لذاته، بل يكره أسلوبها في الحب. ومع تطور الأحداث، يتعمق مفهوم الحب عند فينوس، لنصل في النهاية معها إلى مفهوم الحب الحقيقي، الذي يسمو على الغرائز الحيوانية، ويحلق في أجواء الحب الروحاني الخالد. وهنا يحتدم الجدال والصراع في هذه القصيدة الرمزية، الذي يناقش فيها شكسبير مفهوم الحب في أسلوب شاعري رقيق، وصور خيالية بديعة.
ولكن شاعرنا هنا يستغل هذه القصة بشكل آخر إذ يرمز بـ"فينوس" هنا للوطن الذي يغري أبناءه بالمكوث فيه وعدم الرحيل، فتوضح لهم أنها المرعى الذي فيه كل ما يحتاجونه من ثمار وعشب، وأنها المأوى الآمن الذي يحتمون به عند الشدائد، فيقول:
أنا مرعاك يا غزالي فأقبل ... لك ما شئت فاخترف من جناه.
ها هنا يا كحيل عند ردائي ... هو مأواك آمنا في حماه.
حيث يحلو لك القرار تحول ... وانتجع في وديانه ورباه.
ناعم العشب في الوهاد نديّا ... ووريق الصفصاف في أعلاه.
إن أردت الرمان جادت نهود ... أو قصدت السلاف نادت شفاه.
ثم يمضي الوطن مذكرًا الشاعر بالذكريات الجميلة التي قضاها على أرضه، ثم يبين له عاقبة الهجر والرحيل، فقد حاول أن يستبقي أخيه من قبل ولا يجعله يسافر ويترك هذا المرعى؛ ولكنه لم يبق وأصر على الرحيل، فقد كان يحلم بالغنى وجمع المال:
أخبرته ماذا تلاقي مذ رمى ... بك في ديار الغربة التحصيل.
بالمرأة الشمطاء واستيلادها ... ذرية ميمونة مشغول.
ومن الملاحظ هنا أن الشاعر يرمز بالمرأة الشمطاء إلى الدنيا التي مشغول الإنسان بالاستيلاء على ما فيها من خيرات حتى يشعر بالإشباع وعدم الاحتياج، ولكن هيهات أن ينجح في ذلك، فالشمطاء لن تلد ذرية نجباء. ولعل ما يعضد تأويلنا قول ابن عباس: " يُؤْتَى بِالدُّنْيَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُورَةِ عَجُوزٍ شَمْطَاءَ زَرْقَاءَ، أَنْيَابُهَا بَادِيَةٌ مُشَوَّهٌ خَلْقُهَا، فَتَشْرِفُ عَلَى الْخَلائِقِ، فَيُقَالُ: أَتَعْرِفُونَ هَذِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مَعْرِفَةِ هَذِهِ ! فَيُقَالُ :هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي تَنَاحَرْتُمْ عَلَيْهَا، بِهَا تَقَاطَعْتُمُ الأَرْحَامَ، وَبِهَا تَحَاسَدْتُمْ وَتَبَاغَضْتُمْ وَاغْتَرَرْتُمْ. ثُمَّ يُقْذَفُ بِهَا فِي جَهَنَّمَ، فَتُنَادِي: أَيْ رَبِّ أَيْنَ أَتْبَاعِي وَأَشْيَاعِي؟ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَلْحِقُوا بِهَا أَتْبَاعَهَا وَأَشْيَاعَهَا وَأَشْيَاعَهَا ".([10])
وفي المقطوعة الثالثة وما بعدها نجد صدى صوت وليام وردذورث ظاهرًا بقوة إذا يتناص الشاعر فيها مع قصيدته "النرجس البري"، التي يصف فيها وليام وردزورث شعوره بالوحدة، بينما كان يتجول عبر التلال والوديان. وفجأة عندما مر على بحيرة، لاحظ وجود مجموعة من أزهار النرجس البري تتمايل مع النسيم العليل، ولم تكن مجرد زهرات متفرقات، بل كانت عبارة عن كم هائل من أزهار النرجس تستجيب لحركات النسيم. نعم، كانت الأزهار تتمايل بشكل جميل، وهكذا كانت أمواج البحيرة. ولكن النرجس كان أكثر جاذبية. فتحولت وحدة الكاتب إلى فرح وأنس، لكنه لم يدرك ما هي الهدية التي تلقاها إلاّ في وقت لاحق. ومن ثم، كلما أحس بالوحدة تذكر أزهار النرجس البرية فيمتلئ قلبه بالسعادة، وهذه القصيدة مطلعها كالتالي:
وحيدًا أهيم مثل سحابة
تحلّق فوق الوديان والتلال
وفي لمحةٍ للبصرْ..
رأيت قطيعا من النرجس
بجانب البحيرة بين الشجرْ.
تراقص زهوا نسيم السحرْ.
يشعُّ كمثل نجوم السماءِ
على حافة الماءْ... بكل بهاءٍ
وفي رمشة
تبدّت الألوف
تهزّ الرؤوس حبورا
تسرّ النظرْ .
ويحاول شاعرنا في قصيدته أن يستغل أحداث هذه القصيدة في تدعيم قضيته، فيكشف عن الخيرات التي تمتلئ بها أرض الوطن، وأن خيرات الوطن تنادي المغترب ولكنه مصمم على الرحيل، بالرغم من أنه لا يملك ما يعينه على السفر، ويخبره الوطن أن نهاية رحلته ستكون مؤلمة لا كما يتوقعها، فكل الأحلام التي يسعى إلى تحقيقها ستقضي عليها الأيام، إذ يقول:
نادتك أشجار النخيل فلم ترح ... في ظلها قدميك من أسفارها
ومضت لم تمدد يديك- وأنت لا ... زاد لديك- وقد دنت بثمارها
يخشى الغوائل وائل من خلفه ... وخطاه ماضية على آثارها
وهدية الأيام بعد وئامها ... لك جثة الأحلام فامض فوارها.
هذا المصير الذي تتنبأ به قارئة الفنجان عندما ذهب إليها الشاعر لكي تخبره كيف يبدو حظه، وكيف سيكون مصيره، فتصدمه بأن الموت في البعد والهجران:
قرّبن فنجاني. وقلن لها انظري ... ماذا لك الفنجان سوف يقول
قالت طريقًا صاعدًا ومنازلا ... الوحش في أرجائهن يصول
الموت يكمن في المياه فحاذري ... ما بعد ذلك، طامس مجهول
وقارئة الفنجان هنا تجعل القارئ يتساءل هل هي مدام سيزوستريس قارئة الغيب في قصيدة الأرض الخراب، أم هي قارئة الفنجان الواردة في ثقافتنا الشعبية العربية، أم هي قارئة فنجان قصيدة نزار قباني التي غناها عبد الحليم حافظ؟ على العموم أيًا ما كانت فهي تسعى لكشف المصير المجهول الذي ينتظر الذات الشاعرة، فهي تحذره من المياه، والمياه هنا هي مياه البحر الذي يركبه المغترب للفرار من وطنه، والذي يدفعه نحو المجهول، وقد يدفعه نحو الموت.
وفي هذه المقطوعة نسمع صدى صوت ذي الرمة، إذ يتناص الشاعر مع قوله:
عشيَّة َ ما لي حيلة ٌ غيرَ أنَّني
بِلَقْطِ الْحَصى وَالخَطِّ فِي التُّرْبِ مُولَعُ
أَخُطُّ وأمْحُو الْخَطَّ ثُمَّ أُعِيدُهُ
بِكَفَّيَّ وَالْغِرْبَانُ فِي الدَّارِ وُقَّعُ
 فالحالة النفسية السيئة المعبرة عن الأسى والحيرة التي مر بها ذو الرمة من فراق محبوبته مي هي التي جعلته يلتقط الحصى مرة، ويخط على التراب ثم يمحو الخط ثم يخط من جديد، ذاهلاً شجيًّا والغربان على المنازل واقعات، وهي لم تقع من خير. إن هذه الحالة النفسية تتشابه مع الحالة النفسية لشاعرنا التي جعلته يكتب ويمحو في رمال خياله، فهو يحنّ لأيام الصبا التي تمثل أيام الصفاء والبراءة التي لا يحمل فيها الإنسان مسئولية، إذ يجد من يرعاه ويعتني به، بل يشعر أن الدنيا ملك يمينه، أينما سار فهو يسير في ملكه، إذ يقول:
لا أنس أيامي بريعان الصبا ... أمحو وأكتب في رمال خيالي.
تستعرض الأيام عندي حسنها ... في زي صاحب نعمة محتال
اليُمْن محبوس على خراجه ... في أي أرض حطَّ لست أبالي
أرمي بمشدود الرباط مشيَّعٍ ... وأجر في طرق الهوى أذيالي
هل كان حسن الظن أم جهلاً بما ... ينهي الليالي عن دوام الحال
أيام نَحْسٍ مستمرٍ نازل ... بعد السعود سوادها موصول.
وفي هذه الأبيات نرى الشاعر يستدعي من ثقافتنا العربية- أيضًا- شخصية هارون الرشيد ليوضح لنا كيف كانت سماء خياله، وكبر الأحلام التي كان يحلم بها، ولكن للأسف انتهت هذه الأحلام نهاية سوداوية كما انتهى سلطان العباسيين الذي ينتمي إليه هارون الرشيد، وليجعلنا نحس بمدى مأساته وعظمها يستدعي من الثقافة العربية مصير قوم عاد الذي قال عنهم الله: " كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ" (20) (سورة القمر)
ثم يستدعى من الثقافة الغربية مجموعة من الرموز الأسطورية تعضد هذا الموقف فيوظف قصة سيبيل، إذ يقول:
سيبيل تشكو ما أصاب عظامها ... تشكو الذي طمحت إليه سيبيل.
ويقول في موضع آخر:
قد عرفناك جارة للعذارى ... أخبرينا هل ساورتك الندامة
صرت في السلة التي أنت فيها ... كل هذا الجموح كان على مه
قد عرفنا الذي يعيش عفيفًا ... والذي عاش عاشقًا ما أمامه.
ويقول في موضع ثالث:
الموت يكمن في المياه، الموت هذا ... الموت تطلبه- وعزَّ- سيبيل.
فالشاعر هنا يتناص مع أسطورة ساتيريكون التي كتبها الشاعر الروماني بيترونيوس وفيها يتكلم "تريماليكو" عن "سيبيل" الجميلة الساحرة التي خلبت لب أبوللو إله الموسيقى والنبوءات عند الإغريق والرومان بعدهم. ونظرًا لغرامه الشديد بها فقد منحها القدرة على التنبؤ بالمستقبل؛ كما منحها حياة مديدة يناهز عدد أعوامها عدد ذرات الرمال التي تقبض عليها بيدها، فسعدت بمعرفتها بالمستقبل، وبحياتها الطويلة المديدة، لكنها في فرحتها نسيت أن تطلب شيئًا جوهريًّا أهم من ذلك كله، وهو القدرة على تجدد حياتها الداخلية بعناصر الخصب والحيوية، وكانت النتيجة أن حيويتها تسربت من أعماقها كما تسربت ذرات الرمل من بين أصابعها، وسعى بها الذبول خطوة خطوة إلى حياة هي الموات بعينه، وعندما وجدت نفسها وقد فاتها موكب الحياة الحقيقية تمنت الموت.
و"سيبيل" هنا في هذه القصيدة هي رمز للشخص المغترب الحالم بالغنى والثراء، فيرحل من بلد إلى بلد من أجل المال، ويتمنى أن تكون حياته طويلة من أجل أن ينفق ما يجمعه من مال ويتمتع به، ويحاول معرفة المستقبل بطرق شتى حتى يطمئن إلى حاضره، لكن حاضره نفسه نسيه تمامًا، فصارت الحياة عديمة القيمة بعد أن ضاعت مرحلة الشباب في البحث عن المال، وأصبح المرء لا يقدر على الاستمتاع بحياته، بل يحتاج إلى من يعينه بعد أن هَرِم، وهو ما عبر عنه الشاعر بقوله:
شيخ الثمانين الذي رصدوا له ... السكين هل أفضى له التخييل
بتحية لم يستطع من بعدها ... رد السلام يمينه المشلول.
وهو ما دفعه إلى أن يلجأ إلى زرقاء اليمامة، تلك المرأة التي كانت مشهورة في الجاهلية بالقدرة على الإبصار ورؤية ما لا يراه الآخرون، لكي تخبره هل ندمت على ما قامت به عندما أخبرت قومها بحقيقة الأشجار التي أختبأ خلفها الأعداء، فيقول:
أخبرينا من قبل موتك شيئًا ... إيه زرقاء نحن أهل اليمامة
قد عرفناك جارة للعذارى ... أخبرينا هل ساورتك الندامة.
وفي نهاية القصيدة يظهر لنا مرة أخرى صدى صوت إليوت ممزوج بصدى صوت بودلير، إذ يقول الشاعر:
الريح تأتي بالذي تأتي به ... أبدًا وسيف عدائها مسلول.
غرس العدو نباته وشباته ... فربا وأفرع نبته المدخول.
ألزمتني حمل دنيا لا خلاص بها ... وأبت منك بسوء الكيل والحشف.
أكلتِ كل زهوري واستبحت ثرى ... حديقتي غيلة يا زهرة الجيف.
الكلب ينبش كاشفًا عن جثة ... ألقى روائحها إليه "هِليل".
أقبل تعال استنشق المسك الزكي أغلى النفائس دونه مبذول.
تعسًا أما لك سائغ إلا الذي ... ترمي به الأمعاء غالك غول.
ففي هذه الأبيات يتناص الشاعر مع قول إليوت في قصيدة الأرض الخراب:
هل بدأت الخضرة تنبت
من الجثة التي زرعتها في حديقتك في العام الماضي؟
أتراها ستزهر هذا العالم؟
أم ترى الصقيع فاجأها فأتلف مرقدها؟
ألا فلتطرد الكلب، صديق البشر، بعيد عن جنباتها،
وإلا نبش بأظافره فأخرج الجثة من جديد.
ويتناص مع قول بودلير في مقطوعة شعرية بعنوان "الكلب والقنينة" الذي يخاطب فيها كلبه الأليف قائلا: "تعال استنشق عطرًا زكيًّا اشتريته لك من أكبر بائعي العطور في المدينة"، ثم قوله بعد ذكر نفور الكلب وصدوده عن قارورة العطر: " إنك تشبه الجمهور، ما كان يجب أن نقدم إليه العطور الطيبة بل مخلفات البطون."
في نهاية هذه الدراسة يتضح لنا أن قصيدة الدكتور السيد إبراهيم أشبة بالرواية بالبوليفونية (Poliphonie/poliphony) التي تحدث عنها ميخائيل باختين،([11]) فهي متعددة الأصوات، وكل صوت فيها يعبر عن أمر  يخدم أيديولوجية معينة تصب في النهاية في أيديولوجية المبدع، وتخدم فكرته التي يسعى لتوضيحها، وتساعده في بث رسالته إلى المتلقي.



[1]- ستيفن جرينبلات: من الشعرية الثقافية إلى الحراك الثقافي: مقالات مترجمة في النقد الثقافي والمادية الثقافية والتاريخانية الجديدة، ترجمة: معتز سلامة، دار النابغة للنشر والتوزيع، طنطا، طـ1، 1440هـ/2019م، صـ140 وما بعدها.
[2]- المرجع نفسه، صـ145.
[3]- نبيل راغب: مقدمة كتاب أرض الضياع رائعة ت. س. إليوت، إصدارات المركز القومي للترجمة، مصر، العدد 1808، 2011، صـ12.
[4]- التناص: مصطلح نقدى ولد على يد جوليا كريستيفا (عام 1969م) التى استنبطته من باختين في دراسته لدستويفسكى، حيث وضع مصطلح تعددية الأصوات، والحوارية دون استخدام مصطلح التناص. ثم احتضنته البنيوية الفرنسية، وما بعدها من اتجاهات سيميائية، وتفكيكية، في كتابات جوليا كريستيفا، ورولان بارت، وتودروف، وغيرهم من نقاد الحداثة. وآلية التناص تقوم على (خلق نص يقوم على مدلولات خطابية متباينة التاريخ، لا يمكن قراءة نص فيها بمعزل عن غيره من النصوص حيث يحيل المدلول الشعري إلى مدلولات خطابية مغايرة، بشكل يمكن معه قراءة خطابات عديدة داخل القول الشعري، هكذا يمكن خلق فضاء نصي متعدد داخل المدلول الشعري...ومن هذا المنظور يكون من الواضح أنه يمكن اعتبار المدلول الشعرى نابعًا من سنن محددة، أنه مجال لتقاطع عدة شفرات(على الأقل اثنتين) تجد نفسها في علاقة متبادلة.) ينظر، جوليا كريستيفا: علم النص، ترجمة/ فؤاد الزاهي؛ ومراجعة/ عبد الجليل ناظم، دار توبقال، الدار البيضاء، طـ1، 1991، صـ78 وما بعدها. ومارك أنجينو: مفهوم التناص في الخطاب النقدي المعاصر، ضمن كتاب (في أصول الخطاب النقدي)، ترجمة/ أحمد المديني، آفاق عربية، بغداد، طـ1، 1987، صـ102 وما بعدها.
[5]- عبد الواحد لؤلؤة: الأرض اليباب: الشاعر والقصيدة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، طـ3، 1995، صـ14.
[6]- حاتم الصكر: نازك الملائكة من زاوية التوصيل والتلقي، ضمن أعمال مجلة الكتاب الذهبي، العدد الأول، دار الشئون الثقافية العامة، بغداد، 1995، صـ66.
[7]- لويس عوض: مقدمة ترجمة قصيدة الأرض الخراب وقصائد أخرى لـ"ت. س. إليوت"، سلسلة آفاق عالمية، الهيئة العامة لقصور الثقافة، مصر، العدد6، ديسمبر 2001،صـ23.
[8]- المرجع نفسه، صـ 23 وما بعدها.
[9]- المعادل الموضوعي هو مصطلح صكه الناقد "ت. س. إليوت"، إذ يقول: " إن الطريقة الوحيدة للتعبير عن الإحساس في قالب فني إنما تكمن في إيجاد "معادل موضوعي" لهذا الإحساس، وبتعبير آخر إيجاد مجموعة من الموضوعات أو موقف أو سلسلة من الأحداث التي تشكل وعاء لهذا الإحساس الخاص؛ بحيث يتجلى هذا الإحساس بمجرد أن تعرض تلك الموضوعات أو المواقف أو الأحداث مقدمة في شكل تجربة حسية". انظر، أحسن دواس: المعادل الموضوعي في النقد الأنجلو- أمريكي الجديد: دراسة في المصطلح والمفهوم والمرجعيات، مجلة الأثر، العدد26، سبتمبر 2016، صـ48 وما بعدها.
[10]- أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: إحياء علوم الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الجزء الثالث، صـ263.
[11]- يقصد بالبوليفونية (Poliphonie/poliphony) لغة تعدد الأصوات، وقد أخذ هذا المصطلح من عالم الموسيقى، ليتم نقله إلى حقل الأدب والنقد. ومن ثم، فالمقصود بالرواية البوليفونية تلك الرواية التي تتعدد فيها الشخصيات المتحاورة، وتتعدد فيها وجهات النظر، وتختلف فيها الرؤى الإيديولوجية. بمعنى أنها رواية حوارية تعددية، تنحى المنحى الديمقراطي، حيث تتحرر بشكل من الأشكال من سلطة الراوي المطلق، وتتخلص أيضا من أحادية المنظور واللغة والأسلوب. وبتعبير آخر، يتم الحديث في هذه الرواية المتعددة الأصوات والمنظورات عن حرية البطل النسبية ، واستقلالية الشخصية في التعبير عن مواقفها بكل حرية وصراحة، ولو كانت هذه المواقف بحال من الأحوال مخالفة لرأي الكاتب. وللتوضيح أكثر، تسرد كل شخصية الحدث الروائي بطريقتها الخاصة، وذلك بواسطة منظورها الشخصي، ومن زاوية نظرها الفردية، وبأسلوبها الفردي الخاص. بمعنى، أن الرواية تقدم عصارتها الإبداعية وأطروحتها المرجعية عبر أصوات متعددة؛ وهذا ما يجعل القارىء الضمني الواعي يختار بكل حرية الموقف المناسب، ويرتضي المنظور الإيديولوجي الذي يلائمه ويوافقه ، دون أن يكون المتلقي في ذلك مستلبا أو مخدوعا من قبل السارد أو الكاتب أو الشخصية على حد سواء. ويعني كل هذا أن الرواية البوليفونية مختلفة أيما اختلاف عن الرواية المنولوجية الأحادية الراوي والموقف، واللغة، والأسلوب، والمنظور، وذلك بوجود تعددية حوارية حقيقية على مستوى السراد، والصيغ، والشخصيات، والقراء، والمواقف الإيديولوجية. انظر، ميخايل باختين: شعرية ديستوفسكي، ترجمة جميل نصيف التكريتي، دار توبقال للنشر والتوزيع، المغرب، طـ1، 1987، صـ67.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق