الجمعة، 17 أغسطس 2018

فصول من زمن مضى وزمن يأتي ( الحلقة الثانية )

(2)

وكانت النتيجة خمس سنوات كاملة بعد حصولي على الماجستير سنة 1976لم أتمكن فيها بحال حتى من مجرد التسجيل للدكتوراه. الحصار محكم ولا بد للفريسة من أن تنتهي للاستسلام. والمطلوب
أمر بسيط يفعله جميع العقلاء في بلادنا وزماننا: الانضمام إلى حظيرة الدواجن المدجنة والمكافأة بعد ذلك لا حدود لها. ولكن الضحية المستهدفة زادها شعورها بالضعف وقلة الحيلة وهوانها على الناس وقوة الحصار وضراوته تحديًا وعنادًا. فأما تفسير ذلك فأمر يحسمه أصحاب التحليلات النفسية إن أرادوا. ولقد كشفت لي هذه الحقبة عن أخلاق الناس الذين رأوا ذلك كله وانحازوا إلى القوة.وكان في ظنوني الأولى التى ورثتها ربما عن أصولي القروية أو ربما عن جهلي وقلة خبرتي أو ربما عن أحلام اليقظة أو ما شئت أن المروءة أمر ثابت في أصل الخلقة الإنسانية. ولذلك لم أستطع قط على امتداد فترة طويلة من الزمان أن "أبلع" ما رأيت من مواقف الناس حولي، حتى ضاقت نفسي بالمكان كله ولم أقدر على الاستمرار في احتماله. وأذكر أني بقيت أكره طائر البطريق فترة طويلة من الزمان. كنت أرى مشاهده وهو يلتقي في جماعات حاشدة وكل طائر يحتضن صغيره وحده أو بيضته وحدها ولا يلتفت إلى صغير يتيم بجواره ضل عنه أبواه أو هلكا معا وتركاه. كان طائر النورس يراقب من بعد وينقض فيلتقط الصغير أو البيضة ويطير به في موعد مع وليمة منتظرة. ولو أشاح أي من جيرانه بمنقاره أو لو هز جناحه لربما كان في ذلك رادع للطائر المفترس أو على الأقل ربما أوجب عليه أن يتردد. كنت أشعر بالغثيان. ولم أكن أحترم هذا الطائر ولا أريد رؤيته. لكن انظر إلى الفيلة: يشعر المرء بالانتشاء والفرح وهو يراها تحامي عن أفراد جماعتها خصوصا من الصغاروالضعفاء وإذا تيتمت إحداها فالجميع أمهاتها. هذه كائنات نبيلة ، كل صاحب فطرة سليمة لا بد أنه يجد في نفسه دافعًا لاحترامها وتقديرها. ولم أزل إلى اليوم تهزني هزًا كلمة النبي صلوات الله عليه وسلامه في الأنصار: " إنكم لتقلون عند الطمع وتكثرون عند الفزع ". لم يغيرني ما رأيت من أخلاق الناس على طول عمري وعنتهم من أن يقشعر بدني وأنا أتذكر هذا القول. إلى هنا ولم تكتمل الجملة الأولى بعد التي بدأت بها الحديث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق