فصول من زمن مضى وزمن يأتي ( الحلقة الخامسة )
(5)عندما نلقى الله وتنصب الموازين سيبتهج قلبك وينشرح صدرك ويسر خاطرك إن شاء الله. وعندما توضع أعمالك في كفة وتوضع الجبال في الكفة الأخرى سترجح كفتك على كفة الجبال بإذن الله. أعلم أنك أوذيت ودبرت لك المؤامرات وساعدهم عليها طيبة قلبك وما أنشأك عليه أبواك من دماثة الخلق والفروسية. كان يرحمه الله فارسًا حقيقة لا مجازا. تدرب على الفروسية وركوب الخيل في بيت أبيه. كان أبوه من وجهاء القوم وأعيانهم، وكان عضوا في مجلس النواب القديم أيام الملكية. وهذا من بعض أسباب عدائهم له وإيذائهم إياه. لم يعرف قلبه حقدا لأحد. وكنت أتعجب له كيف ينسى بالسرعة التي ينسى بها ما يصنعونه به، ويعود فيقع في المتاعب نفسها لتصديقه وعودهم، مرة بعد مرة. لكنه كان يقول: أنا باق في البلاد من أجلكم_ إلى أن تنتهوا من دراساتكم وأبحاثكم. وبالفعل ماإن انتهيت من دراستي للماجستير حتى شد الرحال خارج البلاد، وأكملوا هم مسلسل إيذائه حتى بعد خروجه من البلاد، فأخرجوه من الجامعة نهائيا بتدابير وحيل أعانهم عليها بعض ضعاف النفوس من شركائهم في الأعمال الإدارية. أما أنا فتركت للمشهد الذي سبق أن حكيته في الفقرات السابقة. لم ينل الرجل النبيل من الشهرة ما ناله من قالوا نحن أبناء الغرب ورجاله ونحن سدنة التفكير الحديث، وزاحموا بالحق وبالباطل حتى نالوا مانالوه. لكنه وهذه هي الملاحظة التي أشير إليها نشأ في بيت تولاه بالتربية ولم يتركه لعشوائية الغرائز والأهواء. ولا أدري إلى أي مدى كانت تنتهي سلسلة نسبه في كرم الطبع ودماثة الخلق . ولكني أحدس ذلك حدسا من خبرتي به. لعلها لا تقل عن سبعة الأجيال التي اشترطها بعض مفكري القرن التاسع عشر، وهو نيتشه، ربما اعتمادا على بعض أبحاث دارون في "أصل الأنواع". له في هذا الكتاب فصل شيق عن العادة التي تصير غريزة إذا تعاقبت في جملة من الأجيال في سلسلة لا تنقطع جيلا بعد جيل. وهو ما عبر عنه المتنبي قبل ذلك بقرون حين قال في وصف ممدوحه: الكريم ابن الكريم ابــــــــــــن الكريم ابن الكريم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق