الجمعة، 17 أغسطس 2018

فصول من زمن مضى وزمن يأتي ( الحلقة الرابعة )

(4)
الذي أخرجني من هذه الغمة، بعد فضل الله تعالى ومنته طبعًا، شيخٌ جليل القدر من أَجَلِّ أبناء زمانه وأرسخهم علمًا، أرسل في طلبي بعد أن قرأ كتابا لي نشر بعد حصولي على الماجستير، وظن أنه لشيخ من أهل زمانه ندت عنه معرفته وأهمله الزمن. لن أظهر اسم هذا الشيخ الآن،
ربما ضنًا به واحتفاظا باسمه الجليل للمناسبات الجليلة. كان حسان بن ثابت يقول عن شاعر الأوس العظيم قيس بن الخطيم:
 إنا إذا نافرتنا العرب أخرجنا لهم الحبرات من شعر قيس.
والحبرات ؛ هي ثياب الحرير وهي نفائس الثياب التي لا يخرجها المرء إلا في الأعياد وما شاكلها من المناسبات. وكان الشاعر يقول في صفة جواد يضن به أن يظهره للناس: يصان وهو ليوم الروع مبذول. تلك هي الحبرات التي يضن بها ولا يخرجها أصحابها إلا في المناسبات الجليلة. هذا الشيخ لم يكن ممن كتبوا في التفكير الحديث، وإن له لنظرات تعلو على كثير مما كتب في التفكير الحديث. وهب الشيخ جل أوقاته لتراث أمته شرحا ونقدا وتحليلا وتحقيقا. لم يكتب في البنيوية ولا ما بعد الحداثة ولم يكتب في ماركس أو من هو على شاكلته. لكنه وهذا ما يجب أن أذكره تربى في بيت علم وفقه وورع ودين.

نحن لم نزل في الجملة الأولى التي بدأنا بها الحديث: الذين لقيت منهم الخير. هذا هو الشطر الأول من الجملة. والجملة هنا طبعا تحمل معنى مجازيا. في هذا الشطر من الجملة أذكر أستاذي رحمه الله الدكتور عبد المنعم إسماعيل. كان أستاذي في الماجستير. وكان كلما أصلح لي شيئا مما أكتب ولا أرضى ما يصلحه أرجع إلى ما أرتضيه أنا ولا يرتضيه. لم يكن يزعجه ذلك. ولم تكن تأخذه العزة انتصارا لنفسه. بل إن هذا الرجل الكريم حين علم بإتمام الرسالة وقدمتها إليه تناولها من يدي وتأبطها معتزا وأبى أن أحملها أنا بنفسي وهو يجرني من يدي لنذهب بها إلى عميد الكلية لإتمام إجراءات المناقشة. اللهم أحسن إليه ..اللهم أحسن إليه .. أحسن إليه كما أحسن إلي وإلى غيري. حين سألني في أثناء عملي بالماجستير: ما الذي أخرك إلى هذا الوقت وأنت قد أتممت الدراسة. قلت له إن قسما منها لم يزل تحت رحمة الظروف. قال لي: وما ذاك؟ قلت إنه القسم الخاص بتحقيق مخطوط الضرائر الشعرية ونسخته باستنبول ولم أستطع الحصول عليه لتعذر ذلك رغم محاولاتي المستمرة. كانت العلاقات الدولية بيننا وبينهم في ذلك الوقت في حدود سنة1974 متوقفة كذلك. وغضب لأني لم أخبره بذلك من قبل. بعد ذلك بيومين فقط- يومين والله ما زادا على ذلك كانت صورة المخطوط بين يدي. ولا يزال الكلام عن سيد السادات رحمه الله متواصلا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق